في طلة مبهرة أصبحت معهودة قدمت النجمة منى ذكي واحدا من أهم أعمال الموسم الرمضاني بعنوان "تحت الوصاية"، والذي تم عرضه في خمس عشرة حلقة بداية من النصف الثاني من شهر رمضان لينتهي في أول أيام عيد الفطر.
لاقى العمل نجاحا باهرا حيث لفت النظر إليه ببريقه بين باقي الأعمال الجماهيرية مناقشا لقضية يتطلب حلها تغييرا في مواد وصاية القاصر في القانون المصري؛ فانتهي العمل بنهاية مأساوية حيث سجن الأم وبكاء أطفالها من خلفها؛ وكانت النهاية المثلى.
أتذكر الآن ما رويته في مقال لي منذ عام تقريبا بعنوان "لحياة أفضل" عن أرملة وأم لأربعة أبناء منذ عمر الخامسة والعشرين تقريبا؛ تعاني في حياتها من قلة الإمكانيات على الرغم من ثراء عائلة الأب مع كونها تعيش معهم بأبنائها؛ حيث رفضوا تسليمها أي ميراث وأصبحوا الوصاة على أموال اليتامى آخذين نصف ما تأخذه من الحكومة كمعاش مقداره ألف جنيها لفاتورة الكهرباء والغاز، مع رفض العم لكثير من مطالب الأبناء كأخذ دروس خاصة في بعض المواد؛ لأنهم متفوقون دراسيا عن أبنائه، حتى تعلم الكبير حرفة وترك دراسته راغبا في الفرار من البلدة كلها.
توجد قوانين كثيرة تفضل الرجل عن المرأة ولا خلاف ولا جدال فيها؛ مثل نسب المولود حيث لا يحق لامرأة أن تنسب طفلا إلى زوجها إلا بحضوره أو بحضور رجل من عصبه، وهذا مقبول؛ فالدين والعرف جروا على تسمية المولود بعائلة أبيه وليس أمه مثلما هو مسموح في كثير من الدول، وكان من المقبول في عصر فات كان تعليم المرأة فيه مكروها، أن تكون وصاية القاصر بعد الأب مع الجد ثم العم أو رجل آخر من عصب الأب لأنهم أدرى وأوعى بأمور المأكل والمشرب والملبس والتعليم والزواج حيث تدبير كل ما يدور خارج المنزل وكان قاصرا على الرجل.
ولكن أبعد أن أصبحت المرأة متعلمة جامعية طبيبة ومعلمة ونائبة ووزيرة، على دراية بكل أمور الحياة وصعابها، بعد أن أصبحت هي المفكرة والمخططة مع زوجها جنبا إلى جنب لمستقبل أبنائها من تعليم وزواج وعمل وحياة، بعد أن تفرقت العائلة وانشغل كل أخ بعائلته وزوجته وأبنائه ولم يعد التلاقي إلا في الأعياد والمناسبات، ما زلنا نرى الحل عندما يتوفى رجل الأسرة في أن نأتي بالجد أو العم ونعطيه الوصاية على المال والوصاية التعليمية حيث لا يحدث إجراء واحد يخص القاصر إلا بموافقته؛ ليصبح الآمر الناهي في حياة ومستقبل أبناء سبق وأن رسمت لهم أمهم المستقبل الأفضل؟! وهل يعلم بشؤون الأبناء أكثر من الأم؟!
هل ما زالت تُرى المرأة على أنها شخص فاقد للأهلية يحتاج دائما لحماية ووصاية؟!
القانون هو الحامي هو طوق النجاة لمن ضاقت به دوامات الحياة، فيوجد في القانون ما يبيح للواصي التصرف في كافة الأمور وتحديد ما هو مهم ضروري وما هو رفاهية لا يستحق أن يُنفق عليه مال وله الحق في الإنفاق على نفسه من هذا المال وله الحق في المطالبة بأجر عن الوصاية؛ وإذا مال على حقه هذا أي إنسان ولو كانت الأم يكون مصيرها السجن والعقاب، وهذا في حالة وجود تركة أو ميراث للأولاد، ولكن ما مصير هؤلاء الأولاد في حالة عدم وجود تركة؟
ما دام الرجل هو الحامي العاقل المسيطر لماذا لا يوجد قانون يجبر أقرب رجل من عصب الأب على الإنفاق على من فقدوا رب أسرتهم بمبلغ تحدده الدولة من دراسة حالته الاجتماعية ومصدر دخله وعدد الأبناء ومصاريفهم؟! مع وجود عقوبة تصل إلى السجن والغرامة على من يتخلف عن أداء واجبه.
بعد تحدث أكثر من امرأة على مواقع السوشيال ميديا عن معاناتهن تحت قانون الوصاية المطبق حاليا؛ تحركت أكثر من نائبة في البرلمان للمطالبة بتعديل قانون الوصاية، وكلنا أمل في تغيير يخلق نهاية أفضل لمسلسل "تحت الوصاية".
هذه قضية من كثير من القضايا المفتوحة منذ سنوات ولم يُصدر الحكم فيها بعد، ولكن لا يجب أن ننسى أن هناك قضايا لم تُفتح بعد، هناك ضحايا يتألمون الآن وغير قادرين على وصف مشكلتهم؛ فتوصيل أصوات تلك الأرواح من مسئولية جميع القائمين على الفن بل مسئولية كل من يمتلك صوتا جهورا مسموعا؛ فلا أحد يستحق أن يحيا طوال عمره تحت رحمة ظالمه.
التعليقات