(اتق شر الحليم إذا غضب) في علاقاتنا الإنسانية وحياتنا اليومية نردد هذه المقولة الشهيرة ساخرين تارة ومهددين تارة أخرى. لكن هل فكرنا يوما في مغزى العبارة؟ نعرف أنها تحذير بأن هذا الحليم الصابر يمكن أن يثور ويغضب وأن له وجهاً آخر مختلفاً عما نراه لكن هل توقفنا يوما عند لفظ (شر)؟ لماذا لم يقل (اتق غضب الحليم) وفقط؟ هل يمكن أن يمتلك الحليم شراً تخشى عواقبه؟ ما الذي يدفع شخصاً عرف بالوداعة والتروي لأن يتحول إلى شرير؟
يكمن السبب الرئيس في نفاذ الصبر وتهاوي القدرة على الاحتمال. يمتليء الكأس يوما تلو يوم حتي يصل إلى ذروة الفوران. يقرر هذا الشخص الحليم وفي لحظة عفوية تماما أن يثأر لنفسه وأن يرفع الظلم الواقع عليه بيده دون انتظار الآخرين؛ عندها تتحول كل مفاهيم الصبر وتحمل الأذى إلى غضب شديد يعصف بالأخضر واليابس فلا يراعي صداقة ولا يفكر في أي علاقة شخصية أيا كان نوعها. وقتها، يقف الجميع مدهوشين غير مصدقين أن كل هذا قد يصدر من شخص حسبوه هادئا يؤمن جانبه. ما ينتج حينها عن غضبة الحليم شر بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ فلا تخرجوا أسوأ ما فيه ولا تتجاهلوا مشاعره فيثأر لسنوات مضت كظم فيها غيظه وتحمل فيها ما لا يطيق. وتحوله من الوداعة لغيرها وسيلة دفاع عن نفسه وانتصار لحقه الأدبي المسلوب.
ظننتم أنه لا يشعر ولا يغضب ولا يهتم؟ تعاملونه كأنه متنازل عن وجوده من أجلكم؟! قبل أن تفكروا في رغباتكم ومتطلباتكم تذكروا أن تحقيقها لا يتم على أنقاض شخص آخر. حقوقكم لا تقوم على سلب حقوق الآخر. حياتكم لا تعني نهاية من يؤثركم على نفسه. لا تراهنوا على صبر أحدهم ولا تأخذوا تأنيه في رد فعله كأمر مسلم به ففي نهاية الأمر هو بشر وقدرته على التحمل محدودة وطاقة صبره يمكنها أن تنفذ بين عشية وضحاها. تذكروا وأنتم تمسكون بالمطرقة وتدقون بها رأسه مرة بعد مرة أن للصبر حدود وأن تحمل مرة لا يعني أنه يستلذ الضرب أو أنه لا يشعر. قوموا بمراعاة إنسانيته. لا تراهنوا على لا نهائية صبره فيوما سيقول لكم: مهلا (لقد بلغ السيل الزبى).
والزيبة بحسب لسان العرب هي الحفرة التي تحفر لاصطياد الأسد وعندما تصلها مياه السيل ينتفي الغرض منها وتخرج الأمور خارج نطاق السيطرة ببقاء الأسد حرا طليقا. رفقا بالحليم! لا تراهنوا على صبره ولا تتجاهلوا غضبته حتى لا تصبحوا يوما وقد قلب لكم ظهر المِجَن وأخذ وضع الدفاع عن نفسه وتترس حماية لحاضره ومستقبله بعد أن فقد ماضيه.
التعليقات