لست خبيراً اقتصادياً ولا متخصصاً فى هذا المجال، ولكن ما يؤكده لى كل الخبراء والعارفين بالأوضاع الاقتصادية أن الاقتصاد حالة قبل أن يكون أرقاماً ونظريات، وكلما سادت حالة من التفاؤل بين الناس كانت الفرصة أكبر لتخطى الأزمات مهما كانت صعوبتها. التفاؤل يعنى ثقة شعبية فى تخطى الأزمات تمنح قوة لمخطط السياسات الاقتصادية ليعمل بعيداً عن الضغوط، أخطر ما يخشاه أى مسئول اقتصادى أن يسود الخوف والقلق فى الأسواق لأنه يؤدى إلى ارتباك وربما فوضى ويشعل الصراعات التى تؤثر على كل إجراء اقتصادى وتفسد مفعوله ولذلك فكل مفكرى الاقتصاد يعتبرون التفاؤل جزءاً من حل كل أزمة.
بالتأكيد التفاؤل المطلوب لا يمكن أن يبنى على أوهام أو يكون تفاؤلاً عشوائياً بلا أسباب منطقية، وإنما لابد أن يكون هناك ما يسانده، وفى الحالة المصرية يجمع كل الخبراء الاقتصاديين، والمؤسسات الدولية أن لدينا من الأسباب المقبولة ما يجعلنا نتفاءل ونثق أننا قادرون على عبور الأزمة الاقتصادية الحالية، صحيح الأوضاع صعبة، والتداعيات التى فرضتها الظروف العالمية شديدة التأثير، والغلاء واضح، والمواطنون يعانون من تأثيراته.
والدولة تبذل جهوداً مضنية فى سبيل التخفيف عن المواطن والحد من هذا الغلاء، بمبادرات وأسواق تطرح سلعاً مخفضة وبرامج حماية للفئات الأكثر احتياجاً، صحيح أيضاً أن هناك تخوفات من استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية، لكن هذا ليس وضعاً خاصاً بمصر، وإنما بالعالم كله، بل إن التوقعات بالنسبة لمصر متفائلة مقارنة بكثير من الدول، وتشير إلى قدرتنا على تخطى الأزمة، وأن اقتصادنا قادر على تحقيق هذا النجاح، هذا ما يراه أغلبية الخبراء ممن يتمتعون بعقلانية ورؤية موضوعية، وتؤكده أيضا مؤسسات عالمية لها سمعتها ومصداقيتها، فهم يرون النفق فى نهايته ضوءا واضحا، وأننا قريبون جدًا من الوصول إليه. كثيرون يتحدثون عن أن نهاية 2023 ستشهد نهاية الأزمة، وأدلتهم على ذلك كثيرة ومؤكدة، لكن فى المقابل هناك أصحاب النظارات السوداء والرؤى المتشائمة، الذين يرفضون الخروج من النفق، بل أصبحوا أسرى له ويصرون على أن تظل مصر حبيسة هذا النفق المظلم فلا تخرج منه ولا ترى ضوءاً فى آخره، هؤلاء هم من لا يريدون لمصر الخروج من الأزمة، بل يتمنون لها أن تتزايد أزمتها تضخماً وتختنق داخل النفق، وإن استطاعوا أن يغلقوا كل نوافذ الضوء لفعلوا، يتمنونها أزمة قاتلة، تدمر الاقتصاد المصرى، وتهوى به إلى القاع، ولأنهم يدركون أن نشر حالة من التشاؤم بين المواطنين يمكن أن تسهم فى مزيد من اختناق الاقتصاد، لذلك لا يتوقفون عن الحديث عن كل ما يمكن أن يخلق الإحباط والقلق، ويزيد من الغيوم السوداء حول الاقتصاد المصرى، بعضهم يصر على الادعاء أننا دخلنا نفقاً صعباً وعميقاً ولا مخرج منه وبعضهم يروج كذبا أن الأزمة تزداد والغلاء سيواصل الارتفاع، وبلا توقف والأسواق ستزداد اشتعالاً، آخرون يطلقون أخبارا كاذبة وتوقعات مخادعة لسعر الصرف وقيمة الجنيه، ليثبتوا أن الوضع الاقتصادي مؤلم، كل هذه الشائعات التى يحاولون دعمها بأرقام ووقائع لا أصل لها، هدفها أن يحاصروا مصر، ويصدروا حالة من السواد الاقتصادى الذى يقلق ليس فقط المواطن فيزيد غضبه، وإنما يربك الأسواق ويفتح الباب لتجار الأزمات ليزدادوا جشعا وجرأة على استغلال الوضع مما يزيد الاحتقان الشعبى، وفى الوقت نفسه ترتفع نسبة القلق عند أى مستثمر يفكر أن يأتى إلى مصر..
هؤلاء المرجفون هدفهم النهائى سياسى محض، وهو الانتقام من السلطة الحالية، وزيادة الضغط عليها بكل السبل، لن ينسوا للقيادة المصرية الوطنية الحالية أنها أنهت مخططهم وأفشلت مؤامراتهم، ولن ينسوا لمصر أنها كتبت عليهم الفشل والانهيار، وخلال السنوات الأخيرة حاولوا كثيراً الانتقام وهدم مصر لكنهم فشلوا، حاولوا عن طريق الإرهاب فقضينا عليه، لجأوا إلى نشر الفوضى، لكنها لم تفلح مع مصر، استخدموا الفتنة لكن المصريين أطفأوا نيرانها بوعيهم، والأن يعتقد هؤلاء المتربصون أن الأزمة الاقتصادية الحالية فرصتهم الأقوى للانتقام من الدولة المصرية، والثأر من الشعب والقيادة السياسية. وللأسف البعض يردد ما يروجه هؤلاء عن جهل أو سوء فهم ولا يدرى أنه بذلك يحقق أهدافهم فى ضرب الاقتصاد المصرى.
المصرون على التشاؤم وفرض نظرية النفق المظلم، لا يقبلون أى توقعات من مؤسسات دولية متفائلة بالاقتصاد المصري، ولا يسمحون لصوت أن يعلو بحقيقة قوة مصر وقدرتها على عبور الأزمة، بل يصرون على محاصرة الجميع بصوتهم العالى المليء بالغل والكراهية حتى لا نستمع إلى صوت المؤسسات الدولية المعتبرة والتى تجمع على التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصرى وقدرته على تخطى الأزمة واستعادة قوته، فالبنك الدولى رغم توقعاته السلبية للعديد من الاقتصادات فى العالم، يتوقع أن يتصدر الاقتصاد المصرى معدل النمو فى منطقة الشرق الأوسط بمعدل نمو 4 بالمائة خلال السنة المالية 2024 ليزيد إلى 4.7 فى العام 2025.
أما صندوق النقد الدولى، فقد توقع تزايد معدل نمو الاقتصاد المصرى إلى 4 بالمائة خلال العام المالى الجارى 2022 / 2023، ثم 5.3 بالمائة فى العام الجديد، وصولًا إلى 5.7 بالمائة فى العام المالى التالى له، و5.9 بالمائة فى 2025 / 2026. وفى بيانه الذى أصدره فى يونيو توقع أن تبلغ إيرادات موازنة مصر فى العام المالى الجارى نحو 1.6 تريليون جنيه، تزيد إلى 1.9 تريليون جنيه فى العام المالى المقبل وصولا إلى 2.2 تريليون جنيه فى العام المالى 2024 / 2025. كما توقع أن يتراجع التضخم الأساسى إلى 7 بالمائة بحلول السنة المالية 2024/ 2025، وأن تسجل موازنة الدولة فائضا بنسبة 2.1 بالمائة من إجمالى الناتج المحلى.
كل هذه توقعات لم تصدر عن مؤسسات مصرية ولم يقلها مسئول مصرى وإنما صدرت عن جهات دولية لا تطلق حكما إلا وله ما يؤكده ولا تعلن توقعًا إلا ولديها ما يسنده من حقائق وأرقام على أرض الواقع، فهى جهات لا تجامل وإنما ترصد الواقع الفعلى، وما رصدته وأكدته تقاريرها تشير بوضوح إلى أن مصر فى طريقها للعبور من الأزمة.
واذا كان المرجفون الراغبون فى سقوط مصر فى نفق الأزمة يعتمدون على تقارير بعض الجهات الاقتصادية المتحاملة على مصر لأسباب سياسية معروفة أو يستندون إلى تخفيض مؤسسة مثل «فيتش» للنظرة المستقبلية للاقتصاد لمصر فإن هذا لا يمنحهم الحق فى نشر حالة التشاؤم والإحباط لأن الواقع لا يؤكد هذه التقارير بل ينفيها تماماً، معلوم أن هذا التصنيف رهانه الوحيد قائم على أن مصر معرضة لعدم القدرة على سداد الديون المستحقة عليها وهو رهان كاذب ويعلم الجميع أنه لن يحدث، فمصر لم تتأخر يوماً على الوفاء بالتزاماتها ولديخها من المصادر والقدرة الاقتصادية ما يجعلها قادرة على سداد كل التزامات السنوات المقبلة والخروج من الأزمة سريعا وهذا ما يؤكده الدكتور محمد معيط، وزير المالية، الذى قالها بوضوح وثقة إن الأزمة المالية ستنتهى قبل نهاية العام الحالى والبلاد ستخرج من الأزمة قوية وستعوض المواطن عن المعاناة التى تأثر بها العالم كله، ولم يكتف بهذا بل أكد أن الدولة ملتزمة بتمويل كل ما يوفر احتياجات المواطن وتخفيف حدة موجة التضخم العالمية. وعندما يقول وزير مالية مصر هذا الكلام فهو ليس مجرد طمأنة، وإنما هو كلام مسئول نتيجة رصد جاد لواقع اقتصادى وأرقام مدروسة تترجم واقعًا على الأرض من مشروعات قومية عملاقة بدأت تحقق المستهدف منها وموانئ تحتل مراكز عالمية متقدمة مثل ميناء شرق بور سعيد الذى قفز فى أربع سنوات من المركز 133 إلى المركز العاشر عالمياً، وسيكون خلال السنوات المقبلة جزءاً من مصادر الدخل المصرية المهمة، وإقبال واضح من مستثمرين أجانب على ضخ أموالهم فى مشروعات متنوعة بمصر ما بين صناعية وزراعية وسياحية، وكذلك ارتفاع عوائد السياحة، وانطلاق برنامج الطروحات وما يتوقع أن يدره من عائد دولارى كبير وغيرها كثير..
كل هذا يؤكد أن من يريدون حصارنا بنظرية النفق المظلم الذى لا نهاية له ولا مخرج منه ما هم إلا مرجفون باحثون عن الخراب، هدفهم ضرب الاقتصاد المصرى من خلال نشر حالة إحباط يجب ألا نستسلم لها، بل علينا أن نتركهم فى هذا الظلام يعيشون أوهامهم وأمنياتهم السوداء التى لن تتحقق، ولنقف نحن بجانب مؤسسات بلدنا ونثق فى اقتصادنا وقدرتنا على عبور الأزمة، وسوف نعبرها بعون الله فكم من أزمات عبرناها وكم من تحديات تخطيناها، وكم من مخاطر خضناها وانتصرنا عليها، علينا أن نصر على التفاؤل ونتمسك به، فمصر ليست بهذا الضعف الذى يصوره لنا هؤلاء الموتورون، ولا اقتصادها هش كما يروجون، اقتصادنا قوى والأهم أن إرادتنا صلبة، والجبل المصرى الصامد لن تهزه ريح ولو كانت عاتية، وكما يقول الرئيس السيسى فسوف نتخطى الأزمة كما تخطينا غيرها وسوف يأتى وقت نتحدث فيه عن الأزمة الاقتصادية وكيف عبرناها بنجاح ونتذكر أزمة الدولار باعتبارها من الماضى، ووقتها سيندم كل من حاول أن يمارس التشويه والضغط على بلده ونسى قول الشاعر:
لا تزرع الشوك فى أرض تمر بها
فربِّ عدت إليها حافى القدم
ويقينا سيعود هؤلاء من العواصم التى تؤويهم وتحركهم إلى مصر حفاة ولن يجدوا وقتها من يحميهم من الشوك الذى أرادوا زرعه فى أرض مصر الطيبة.
*المقال المنشور في مجلة المصور المصرية
التعليقات