فى لقاء عابر مع رجل هندى بعد أداء الصلاة فى أحد المساجد ، سألنى الرجل : هل أنت عربى؟
فقلت له : نعم
قال لى : إذا أنت محظوظ ، لأنك تستطيع أن تقرأ القرأن بسهولة و تتدبر معانيه .
هذه الكلمات جعلتنى أفكر كثيرا فى "النعم" المنسية التى وهبها لنا الله عز و جل ولا نشعر بها ، و بدون شك أوقظت في داخلي سيل من التساؤلات حول دور و أهمية اللغة العربية فى حياتنا.
يمثل انتشار التعليم الأجنبى فى التوقيت الحالى تحديًا كبيرًا للغة العربية ، فبينما يهدف إلى توسيع آفاق الطلاب وتزويدهم بمهارات لغوية عالمية مطلوبة فى سوق العمل ، إلا أنه قد يؤثر سلبًا على قدرتهم على التعبير والإبداع بلغتهم الأم ، و مع الوقت قل اهتمام الطلاب بالقراءة والكتابة باللغة العربية الفصحى، بجانب افتقار المناهج الدراسية التقليدية إلى التنوع والتشويق، فضلاً عن صعوبة بعض القواعد النحوية، و هو ما ساهم في إحجام الطلاب عن دراسة اللغة العربية بعمق.
وبالتالى يجب أن يكون هناك توازن دقيق بين تعليم اللغتين، بحيث لا تتغلب إحداهما على الأخرى. و يمكن تحقيق ذلك من خلال تصميم مناهج دراسية تجمع بين اللغتين، وتستفيد من مهارات القراءة والكتابة والتفكير النقدي التي يكتسبها الطلاب في اللغة الأجنبية لتطوير لغتهم العربية.
و الإعلام بدوره يساعد فى إهمال اللغة العربية حيث أن غالبية المحتوى الذى يتم تقديمه ، و الذى يقبل الجمهورعليه، يعتمد على اللهجات العامية و بالتالى نفقد رويدا رويدا التعامل مع اللغة العربية بشكل يومى.
مع الأسف، نجد أن الكثير منا يتعامل مع اللغة العربية بلا مبالاة، فجيل الشباب يميل إلى اللغات الأجنبية، ووسائل التواصل الاجتماعي تغرقنا بفيض من المحتوى الأجنبي، مما يجعل اللغة العربية تتراجع ، كما أدت السرعة و الإختصار في التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الإهمال في استخدام القواعد النحوية والإملائية الصحيحة و هو يؤدي إلى فقداننا لجزء كبير من هويتنا، ويضعف قدرتنا على التواصل مع تراثنا الغني.
و تلقى هذه الأزمة بظلالها على مستوى الاضمحلال الفكرى للشباب العربى فى المعلومات الأساسية عن هويتنا العربية ، و كذلك فى الأخطاء الإملائية و الأسلوبية سواء فى الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعى ، و فى هذا السياق تتعرض الثقافة العربية إلى تأثير كبير من الثقافات الأخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى تآكل الهوية العربية لدى الشباب.
إن قصة الرجل الهندي تذكرنا بأهمية اللغة العربية كجزء أصيل من هويتنا. فالتطور الحقيقي لا يكمن في التخلي عن جذورنا، بل في تطويرها. و علينا أن نعمل جاهدين على حماية لغتنا من التهميش، وأن نزرع في نفوس الأجيال القادمة الفخر بها.و يمكننا تحقيق ذلك من خلال تطوير مناهج تعليمية مبتكرة، وتشجيع القراءة والكتابة باللغة العربية، ودعم المبادرات الثقافية التي تعزز اللغة العربية، وأن نستغل التكنولوجيا الحديثة لنشرها وتسهيل تعلمها.
التعليقات