يثير موضوع المحتوى الإعلامي نقاشًا حول جودته وتأثيره على المجتمع، حيث يتساوى الإعلاميون المحترفون والأفراد "غير المتخصصين" على منصات التواصل الإجتماعى في تقديم محتوى يسهم في انحدار الذوق العام وتشويه الهوية الثقافية، خاصة مع تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من أن الخطاب الإعلامى يتمتمع بتنوع كبير في الأصوات والمنصات، وأفدت التطورات التكنولوجية إلى تمكين الأفراد والمؤسسات من تقديم محتوى مباشر وتفاعلي، إلا أن الخطاب الإعلامي على مستوى الأفراد من خلال منصات التواصل الإجتماعى يواجه تحديات مثل انتشار الأخبار الزائفة، والحاجة إلى موازنة حرية التعبير مع المسؤولية الأخلاقية وهوما ينعكس على المحتوى المقدم فى وسائل الإعلام التقليدية.
فبينما يفترض أن يلتزم الإعلاميون المتخصصون بمعايير مهنية تضمن محتوى هادفًا يعزز القيم الثقافية، قد يدفعهم السعي وراء التفاعل الجماهيري، مدعومًا بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وبالتالى تبني أساليب سطحية أومثيرة للجدل.
من جهة أخرى، يستخدم الأفراد غير المتخصصين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى سريع قد يفتقر إلى العمق أويتجاهل السياقات الثقافية، مما يروج لأفكار تتعارض مع الهوية المحلية. هذا التقارب في المخرجات، المدفوع باستخدام الذكاء الاصطناعي دون ضوابط أخلاقية، يبرز الحاجة إلى تعزيز التوعية الإعلامية ووضع أطر تنظيمية تحافظ على جودة المحتوى، وتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية لحماية الذوق العام والهوية الثقافية من التشويه.
وخلال اليومين الماضيين، أتيحت لى الفرصة فى حضور مؤتمر بعنوان "آفاق جديدة فى صناعة المحتوى الرقمى وتحليل البيانات" والذى نظمته كلية ليوا بالتعاون جامعة أبوظبى فى الإمارات العربية المتحدة. والذى ناقش تعزيز صناعة المحتوى الرقمي والإبداع الإعلامي من خلال استراتيجيات وطنية تدعم المحتوى الهادف، وهوأحد الموضوعات الهامة التى نعانى منها خلال الفترة الراهنة فى الإعلام العربي.
وحاول المؤتمر تقديم مجموعة من الحلول لهذه المشكلات أبرزها ضرورة إلقاء الضوء على الأطر التنظيمية والأخلاقية للإعلام الرقمي، داعيًا إلى وضع قوانين وأخلاقيات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام لضمان المصداقية وحماية الخصوصية، بجانب تصميم خوارزميات ذكاء اصطناعي تتماشى مع الثقافة العربية لإنتاج محتوى احترافي وأخلاقي مع تعزيز التوعية بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في التعليم والمجتمع.
وفى هذا السياق، يمكن للأكاديميين أن يلعبوا دورًا حاسمًا في حل مشكلات المحتوى الإعلامي من خلال تعزيز التعليم والتدريب المتقدم، وتطوير أطر أخلاقية وتنظيمية. وعلى كليات الإعلام أن تقوم بتحديث المناهج لتشمل مهارات إنتاج المحتوى الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهوما قد يثمر فى بناء جيل جديد من الإعلاميين المؤهلين لمواجهة تحديات مثل التضليل وانحدار الذوق العام. كما أن وضع قوانين لاستخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية ودمج القيم الإنسانية في الخوارزميات يسهم في حماية الهوية الثقافية والمصداقية.
وفى النهاية يبقى نجاح الأكاديميين في هذا المجال مرهونًا بإلتزامهم بالابتكار، والتركيز على غرس القيم الثقافية والأخلاقية مع زيادة الإعتماد على الذكاء الإصطناعى، وعلى المهنيين أن يتابعوا هذا الإنتاج البحثى الذى يسعى إلى تحسين جودة المحتوى الإعلامي في العصر الرقمي والاستفادة منه، فالأمم لن تنهض إلا من خلال تفعيل دور العلم والبحث العلمى فى مختلف المجالات.
التعليقات