استمعت إلى حوار قديم لمحمد عبدالمطلب ملك الموال (أبو نور)، كان يدافع عن نفسه بسبب الهجوم الذى تعرّض له فى السبعينيات عندما قرر إنشاء (كباريه) فى شارع الهرم، كانت المطربة شريفة فاضل قد سبقته، وأطلقت على (الكباريه) اسم (كازينو الليل) وأتصوره الأشهر، الجمهور كان يردد لها أغنية (الليل)، والغريب أن تلك الأغنية رفض غناءها فى البداية (طِلب).
بمجرد أن قالت له المذيعة (ح تفتح كباريه)، قال لها اسمه (دكان).
الكلمة قطعا فى المفهوم الشعبى تشير إلى شرب الخمر وصفقات نسائية، بينما هى مأخوذة عن الفرنسية، وتعنى مكان الرقص والاستعراض والتمثيل وتقدم فيه أيضا المأكولات، ظلال الكلمة هى التى دفعت (طِلب) للإصرار على أنه (دكان).
التقيت عبدالمطلب أكثر من مرة فى بيت الموسيقار الكبير محمود الشريف، فهما قد تزوجا من شقيقتين، وعبدالمطلب والشريف بدآ الرحلة معا من صالة (بديعة مصابنى)، وأول أغنية مشهورة لطلب والتى بدأ بها الشريف مشواره كملحن (بتسألينى بحبك ليه).
أجريت حوارا مع طلب نشرته قبل أسابيع قليلة من رحيله على صفحات مجلة (روزاليوسف)، هو الذى اختار مكان اللقاء (شيراتون) الجيزة، وعندما سألته: لماذا؟ أجابنى: مكانى المفضل لأنه أقيم على نفس المساحة التى كانت تقدم فيها بديعة مصابنى الأغنيات والاستعراضات والرقصات، والتى قال عنها محمود الشريف إنها صاحبة أكاديمية (بديعة)، حيث كانت هناك مواعيد مقدسة للفرقة يتلقون دروسا فى الأداء اللغوى وحتى الإتيكيت، وهناك وقت محدد يمارسون فيه تدريبات اللياقة البدنية، كما أن الراقصات يتعلمن أيضا فن (الباليه).
عبدالمطلب دافع عن مشروعه (الدكان) الذى تصور أنه سوف يستعيد من خلاله أمجاده القديمة، وفى نفس الوقت أراد العودة للسينما، معتقدا أنه سوف يقنع الجمهور ليقطع له التذكرة، وأنتج (٥ شارع الحبايب)، استعان بحسن يوسف ونجلاء فتحى، وحقق الفيلم فشلا ذريعا وضاعت تحويشة العمر، وفى نفس التوقيت خسر مشروعه (دكان طلب).
الزمن كان قاسيا على (ملك الموال) الذى ظل متمسكا بالأداء الشرقى الرصين، وكان هدفا للمونولجست سيد الملاح، الذى كان يضع على سبيل التهكم أصيصا من (الزرع) فى عروة الجاكتة، وكثيرا ما كان يقدم طلب على المسرح وكأنه نائم، وأقام طلب ضد الملاح أكثر من دعوى قضائية، لا أتذكر أن القضاء المصرى اعتبرها سبا وقذفا علنيا.
حتى اللحظة الأخيرة، طوال حياته كان يدافع عن الطرب الأصيل، إلا أنه لم يخاصم الجديد، فى البداية عندما استمع الى عبدالحليم فى قصيدة صلاح عبدالصبور (بعد عامين التقينا)، سخر من ملحن الأغنية كمال الطويل قائلا (هو ده اللى انت قلت هيقعدنا فى بيوتنا)، قال لى الأستاذ كمال إنه أيقن أن طلب عنده حق، واللحن منضبط موسيقيا وكذلك أداء عبدالحليم، إلا أنه يفتقد الحياة، وكان هذا الدافع الأول للطويل لكى يقدم اللحن الثانى الذى دفع بعبدالحليم للقمة الجماهيرية (على أد الشوق)، كما أن طلب بعدها قال للموسيقار الكبير (مش عايز تدخل التاريخ يا كمال)، أجابه (ومين يكره)، رد طلب (بسيطة.. لحن لطلب)، فقدم له (الناس المغرمين ما يعملوش كده)، ودخلا فعلا التاريخ، لن تفرق هل غنى طلب (المغرمين) فى كباريه أم دكان؟ يكفى أنه أمتعنا وأشجانا!!.
التعليقات