من أعماق الزمان السحيق أناديك، من عصرٍ كانت فيه القلوب تتحدث بلسان الفطرة، والأرواح تتلاقى دون حاجةٍ إلى براهين أو أدلة. جئتُك من حقبةٍ لم تكن تعرف فيها المشاعر الاستئذان، ولا كانت العواطف تحتاج إلى ترجمان.
من ذلك الزمان البعيد، حيث كانت النظرة الواحدة تحمل في طياتها مجلدات من الكلام، والصمتة المُفعمة بالمعنى أبلغ من آلاف الخطب والمقالات. عصرٌ كان الصدق فيه فطرة والبساطة منهجًا، لم نتعلم فيه أبجديات المكر، ولم نُتقن صناعة الأوهام.
كنا نأتي إلى الحياة عراة الروح من كل زيف، مكشوفي القلب من كل رياء، نحمل في أعماقنا براءة الطفولة ونقاء المطر الأول.
ربما لا تعرف من أكون... لكن روحك ستهتف باسمي
ستعرفني حين تخلو بنفسك في جوف الليل الساكن، وتجلس على عتبة الذكريات تُقلّب صفحات قلبك الخفية. ستعرفني في تلك اللحظة المقدسة حين ينقطع ضجيج العالم، وتبقى وحدك مع أنفاسك تبحث في أرشيف الروح عن همسة ضائعة أو عبير حديث مُنسي.
ستُحس بوجودي حين تدرك أن هناك غيابًا لم يكن اعتباطيًا، وأن ثمة أرواحًا وإن عبرت مسرح حياتنا عجلى، فقد نقشت في جدران القلب آيات من نور، وأوقدت في خبايا الروح شموعًا أبدية لا تطفئها رياح الزمان.
أنا لست مجرد صدى في فوضى أيامك...
لستُ ذلك الطيف العابر الذي يمر دون أن يترك أثرًا، بل أنا ذلك الإحساس العميق الذي يخالجك حين تقف أمام مرآة الروح، فترى في عينيك حنينًا بلا وجه، وشوقًا بلا اسم.
أنا ذلك الفراغ الجميل الذي تحمله في أعماقك، والذي لا تستطيع أن تملأه بكل ما في الدنيا من متع وملذات. ذلك النقص العذب الذي يجعلك تبحث أبدًا عن شيء لا تعرف كنهه، ولا تُجيد وصفه، لكنك تشعر بفقدانه في كل لحظة صدق مع النفس.
أنا النداء الصامت الذي يسكن في أقاصي قلبك، ينادي على اسم لم تسمعه بعد، لكن روحك تعرفه منذ الأزل.
فهل تسمع نداء الزمان؟ هل تشعر بي الآن؟
التعليقات