لست أنثر هذه الكلمات حُججًا أُقاتل بها، ولا أرسم بها براهين أُلزم بها الخلق. إنما أُفضي بسرٍّ استوطن أعماق الروح حتى انسكب منهجًا، وأُناجي به من يُصغي بقلبه قبل سمعه، وبروحه قبل فكره.
أؤمن، إيمانًا لا يعتريه وجل ولا يُخالطه شك، أن العدل في ميزان الخالق ليس وعدًا مُعلَّقًا بزمانٍ قادم، ولا ميثاقًا يُنتظر في غدٍ بعيد. بل هو نافذٌ في هذه اللحظة، سارٍ في هذا الآن، مُتدفقٌ في كل ذرة من تفاصيل أقدارنا، وإن احتجبت خيوطه عن أبصارنا القاصرة.
أومن بذلك لأن اسمه الأقدس "العدل"، ومن كان اسمه نورًا أزليًا لا يُطفأ، وصفةً أبدية لا تتبدل، فلا يُمكن لليل أن يُغيّرها ولا للنهار أن يُبدّلها. فما نحسبه – في قصورنا – ظلمًا، قد يكون عدلًا في مشهدٍ أوسع لا نُبصره، وما نراه وجعًا قد يكون رسالة حكمة لا نُحيط بأسرارها.
ليست هذه حُجةً أُقدمها للجدال، ولا درسًا أُلقّنه للإقناع، بل يقينٌ أضعه – كالمصباح – في يد من تُنهكه موازين الأرض العوجاء، لعل قلبه يجد السكينة:
إن ضاقت عليك عدالة البشر، فعدالة ربك لا تضيق. وإن خُيّل إليك أن الحق ضاع في زحمة الباطل، فتيقن أن يد العدل الإلهي لم تغفل لحظةً واحدة عن نصبه في موضعه الذي يعلم وحده أسراره وحِكَمه.
والله أعلم، وهو الحكيم العليم.
التعليقات