هل كل الأحلام متاحة وقابلة للتحقيق؟ كبرنا والكبار من حولنا يخبروننا أن كل الأحلام ممكنة وأنه لا توجد مستحيلات إذا أخلصنا الجهد وأتقنّا العمل. مرت بنا السنوات وكبرنا وكذلك فعلت أحلامنا وآمالنا ومعها كبر إحساس بالذنب ولوم النفس لأن ليس كل ما تمناه المرء أدركه. بذلنا ما في وسعنا وما زالت هناك مستحيلات بعيدة المنال. نسجنا منذ طفولتنا قائمة طويلة من الأحلام صغرت أم كبرت بدءا من الحصول على الألعاب والهدايا أو أن نكبر أو أن نمتلك أجنحة تحلق بنا في كل مكان. مع مرور السنوات بدأت قائمة الأحلام الطويلة والخيالية في التقلص والتغير. تحول الخيال البريء إلى واقع وحقائق فعلية. نتذكر أحلامنا فنسخر منها أحيانا ونفخر بما حققناه منها أحيانا أخرى.
في جلسة ودية مع بعض الأصدقاء جلسنا نتندر على أحلام طفولتنا بعد مرور كل هذه السنين. بادرتنا صديقة: كم كنت ساذجة! حلمت أن أصبح أكثر شبها بأمي لا أبي. تناولت كل طعامي وشربت الحليب ولم أفعل! وعدتني أمي أن أحقق حلمي إن فعلت وها أنا رضخت لما أمرتني به وكنت فتاة مطيعة لكن مازال حلمي مستحيلا. كبرت وفهمت أن حلمي لم يكن قابلا للتحقيق من الناحية الجسدية والجينية. ما تمنيته مستحيل بكل المقاييس لكن لم يصارحني به أحد بل على العكس حاولوا استغلاله لتحقيق مكاسب أخرى. أدركت أن ثمة ما هو أهم من الملامح الخارجية التي طالما فتنت بها وتعجبت من أسئلة الناس التي كانت تلاحقني: لماذا لا تشبهين أمك؟ ظل السؤال يؤرقني طفلة ويؤنب ضميري عن مدى مسئوليتي عن ذلك حتى كبرت وأدركت الحقيقة. ربما لم أرث ملامحها ولا يد لي في ذلك لكن الطريق مفتوح أمامي لأتحلى بصفاتها الطيبة. ورثت صفات أمي وأخلاقها التي يشهد لها الجميع لكن ظلت ملامح وجهها الجميل حلما غير قابل للتنفيذ.
أما صديقتي الأخرى فتناولت خيط الحديث وهي تتأمل رسغيها الذين يلتمعان بأساور أنيقة غالية الثمن. ولدت لأسرة من محدودي الدخل وبذل أبي كل ما في وسعه ليقدم لي ولأخوتي أفضل وسائل الحياة الكريمة لكنني كنت أحلم بالرفاهية التي أراها في بيوت جيراننا وفي بيوت أصدقائي. عاهدت نفسي على العمل والنجاح وتحقيق أحلام الثراء وقد فعلت. كانت أحلامي مشروعة. ربما استغرق تنفيذها وقتا طويلا لكنني نجحت وهأنذا أرفل في نعيم الرفاهية والترف. كنت محظوظة بحلم منطقي قابل للتحقيق. أردت الثراء وها قد حصلت عليه.
ضحكت صديقة ثالثة لنا وهي تعدل جلستها على كرسيها المتحرك وتتسع ابتسامتها وهي تقول: أنا خير من يحدثكم عن الأحلام المستحيلة فلطالما حلمت أن أشارككم الجري والقفز في ملعب المدرسة. كان حلما لا يفارقني وغصة تؤرقني ليلا ونهارا. كان حلمي مستحيلا وسيظل حتى ألقى الله به. رزقني الله بوالدين صححا مسار أحلامي وأفهماني أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وأن للأحلام أشكال عديدة. ولدت عاجزة عن المشي لكنني لم أولد عاجزة عن التحليق بخيالي وشعري الذي بدأت في كتابته منذ الصغر كما تعلمون. رجلاي مقيدتان لكن كلماتي لا حدود لها أذهب بها أني شئت وتأتي لي الدنيا صاغرة فأنسجها رواية أو شعرا بأناملي الحرة. كن منطقيا في أحلامك حتى لا تتحطم على صخرة الواقع. فرق بين الثوابت والمتغيرات. اضبط بوصلة آمالك لتضمن سلامة الوصول. تنهدت صديقتنا الشعرة المرهفة وهي تؤكد لنا أن بعض الأحلام تحقيقها في استحالتها وأن متعة الحصول عليها تنتهي وقت أن تتحول إلى واقع ملموس بعد أن كانت غاية تجاور النجوم.
التعليقات