في مسيرة بناء الوطن، تتعدد الأدوار وتختلف المواقع، لكن تبقى الحقيقة الثابتة أن نهضة الدول لا تتحقق إلا حين تتكامل الجهود بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وبين صوت السلطة وضمير الناس. وفي أزمنة التحديات والتحولات، تبرز الحاجة إلى أولئك الذين يجمعون بين فهم الواقع، والاقتراب من الناس، والقدرة على التعبير عنهم بوعي لا يُقصي، وصوت لا يُزايد.
لقد خطت الدولة المصرية خطوات واسعة في السنوات الأخيرة، على مستوى البنية التحتية والمشروعات القومية وتمكين الشباب، وهي خطوات تُبنى على رؤية استراتيجية واضحة، تحتاج في المقابل إلى دعم شعبي لا يقوم على التصفيق، بل على المشاركة الفعالة، والمساءلة البناءة، والإسهام في تطوير الأداء.
ولعل من أهم ما يحتاجه المجتمع اليوم هو استعادة الثقة في مفهوم "التمثيل الحقيقي"، أي أن يكون هناك من ينقل الصوت بصدق، ويفهم السياق بعمق، ويوازن بين تطلعات الناس وإمكانات الدولة، دون أن يقع في فخ أو هوة الشعبوية.
من هنا، فإن من يُدرك هموم الناس من واقع معايشة يومية، ويُتابع نبضهم لا من وراء الشاشات بل من قلب المجتمع، ويعرف كيف تُبنى الدول بالحوار لا بالصدام… حتى يكون جسراً بين الإرادة الرسمية والإرادة الشعبية.
المرحلة التي نعيشها مرحلة مواقف. وليست مرحلة أصوات مرتفعة، بل عقول هادئة تدرك أن الوطن أكبر من الأفراد، وأهم من المصالح، وأحق بأن نضعه فوق كل اعتبار.
وفي هذا السياق، يصبح الدور العام مسؤولية لا ترفًا، ومساحة لخدمة الناس لا للوجاهة. فكل من حمل على عاتقه أن يكون في موقع يؤثر في السياسات أو يساهم في صياغة القرارات، عليه أن يعي أن القرب من المواطن ليس خيارًا، بل واجب، وأن الإصغاء إلى احتياجات الشارع لا يقل أهمية عن فهم خطط الدولة وتوجهاتها. فالربط بين الرؤية الوطنية وتفاصيل الحياة اليومية هو ما يصنع الفرق الحقيقي في حياة الناس.
إن الطريق إلى المستقبل لا يمر فقط عبر الخطط الكبرى، بل عبر الأيادي التي تمتد للمساعدة، والعقول التي تُفكر من داخل المجتمع، والقلوب التي تؤمن أن خدمة الناس شرف ومسؤولية. في كل قرية ومدينة، هناك من ينتظر من يستمع له لا من يُملي عليه، ومن يُمثله بصدق لا من يتحدث باسمه فقط.
إن أعظم ما يمكن أن نقدمه لهذا الوطن هو أن نحفظ له وحدته، ونصون تنوّعه، ونُبقي الحوار مفتوحًا مهما اختلفت الرؤى وتباينت الآراء. فالأوطان لا تُبنى بالصوت الأعلى، بل بالفكرة الأصدق، ولا تنمو في بيئة استقطاب، بل في ظل احترام متبادل وإيمان عميق بأن مصر تستحق منّا جميعًا أن نعلو وننحاز دومًا لما يجمعنا، ولما يبني، ولما يُحيي الأمل. فالوطن، في نهاية المطاف، هو المعنى الأكبر الذي يحتوينا جميعًا
التعليقات