ما يسكن صدرك من هدوءٍ قد لا يجد له مستقرًّا في أضلعي، وما تعتبره من مرور الأمور عابرًا كنسيم الصبح، قد يستوطن روحي كعاصفة لا تهدأ. فبين القلوب مسافات لا تُقاس بالأمتار، وبين النفوس فروق لا تُحصى بالأرقام.
إن ما قد يمرّ على قلبك مرور الضوء على الماء، قد يحفر في قلبي أخاديد عميقة، يصعب طمسها أو نسيانها. فلكلٍ منا تاريخٌ سرّي مع الألم، ولكلٍ منا ندوبٌ لا يراها إلا صاحبها، تتوهج حين تلامسها الذكريات.
ليس الاختلاف بيننا عيبًا يُداوى، ولا نقصًا يُكمّل، بل هو طبيعة الوجود الإنساني في تنوعه وثرائه. غير أن المأزق يكمن حين تجعل من تجربتك معيارًا كونيًّا، وحين تفترض أن مشاعري يجب أن تسير وفق إيقاع مشاعرك، كأنني صدىً لصوتك، أو انعكاسًا لصورتك في مرآة.
حين تقول لي بثقة الواثق: "هذا الأمر لا يستحق كل هذا الحزن"، فأنت تنكر عليّ شرعية الشعور، وتحكم على تجربتي من خلال منظورك الخاص. كأنك تقول لي: "كن كما أنا، أشعر كما أشعر، وإلا فأنت مخطئ في إحساسك".
أنا لست نسخة كربونية منك، ولا مسودة أولى لشخصيتك. أنا كائنٌ تشكّلت روحه على نار خبرات مختلفة، وصُقِل قلبه بتجارب لم تخضها، وتراكمت في أعماقه ذكريات لا تشاركني إياها.
إن حدّتي ليست عنادًا أو تمردًا طائشًا، بل هي استجابة مُحكمة لجراح قديمة. وإن صمتي ليس ضعفًا أو استسلامًا، بل هو حكمة مكتسبة من كثرة ما قيل ولم يُفهم. وإن حزني الذي قد تراه مُفرطًا ليس دراما مُصطنعة، بل هو صدى لآلام حقيقية سكنت المكان ذاته مرارًا، حتى صار أي لمس له ينذر بانفجار.
فحين تُصرّ على أن أرى العالم من نافذتك، وأن أزن الأحداث بميزانك، فأنت تسلبني أثمن ما أملك: هويتي العاطفية. تطلب مني أن أخون طبيعتي لأرضي توقعاتك، أن أقمع ردود أفعالي الطبيعية لأتناسب مع فهمك المحدود لي.
وهكذا، قد تجد نفسك في النهاية أمام واحد من مصيرين: إما نسخة باهتة مني، فقدت روحها في محاولات التشبّه بك، أو مسافة شاسعة صنعتها محاولاتك المتكررة لطمس معالمي الحقيقية.
اعلم ان النفس البشرية، حين تُجبر على خيانة طبيعتها، تنتقم أولاً بالصمت، ثم بالنفور، وأخيرًا بالغياب. فلا تطلب مني أن أكون "على هواك"، ثم تتفاجأ حين يأتي رد فعلي مخالفًا لحساباتك.
إن الحب الحقيقي لا يسعى إلى قولبة الآخر، بل يحتضن تفرّده. لا يحاول تغيير طبيعة المحبوب، بل يفهم جذور تلك الطبيعة ويحترمها. الحب الناضج يُفسح المجال للآخر ليكون كما هو، دون خجل أو اعتذار أو تبرير.
خلاصة القول:
احترم دموعي حتى وإن لم تفهم مصدرها.
احترم فرحي حتى وإن بدا لك مبالغًا فيه.
احترم صمتي حتى وإن تاق قلبك للكلام.
احترم غضبي حتى وإن لم تر له مبررًا.
فأنا مجموع تجاربي، ونتاج رحلتي الخاصة، وثمرة بذور زُرعت في أرض روحي على مدى سنين. ولن أعتذر عن كوني أنا، كما لا أطلب منك أن تعتذر عن كونك أنت.
التعليقات