حينما انتهيتُ من الدراسة فى المرحلة الإعدادية وفى طريقى إلى المرحلة الثانوية سُئلت من شاب يكبرنى بأعوام ، كان فى المرحلة الجامعية، وكنتُ وقتها أرى الطالب الجامعى وكأنه ذلك الرجل الذى اجتاز كافة العتبات فهو فى نظرى ضخم الجثة وإن كان نحيفًا، عبقريًا وإن كان يتعثر فى دراسته .. كانت الرؤية مختلفة وليست بالطبع كما هى اليوم للطالب الجامعى الذى ما يزال أمام عينى هو الطفل الذى كنتُ أحمله على يدى منذ أعوام (ابنى مثالًا)
سألنى هذا الطالب الجامعى: فى الثانوية العامة .. هل تدخل علمى أم أدبى، أرشح لك القسم العلمى. وانتظر إجابتى .. تأملتُه لحظات ثم ابتسمتُ وأنا أجيبه : سوف أدخل القسم الأدبى ومنه أدخل جامعة الزقازيق كلية الآداب. قسم الإعلام . يتأملنى لحظات هو الآخر قبل أن ينفجر ضاحكًا ويقول: أنهيتَ الدراسة الإعدادية اليوم وتحدد الجامعة والكلية والقسم؟!
وتمر السنوات الأولى فى المرحلة الثانوية ثم تنتهى المرحلة ويأتى التنسيق بالترشيح لكلية الآداب جامعة الزقازيق وبداخلها تتم المقابلة (الاختبار الشخصى) الخاصة بدخول القسم وأجلس أمام لجنة من كبار الإعلاميين والأكاديميين ويتم قبولى فى قسم الإعلام، ولن أنسى أبدا يوم هذا الاختبار فقد كان يوم 12 أكتوبر 1992 وتاريخ هذا اليوم محفور فى الذاكرة لأننى بعد الاختبار وفى طريق عودتى إلى منزلى حدث الأمر الرهيب الذى جعل تاريخ هذا اليوم لا يُنسى أبدًا .. فقد كان يوم الزلزال الكبير الذى ضرب البلاد عند الساعة الثالثة وعشر دقائق عصرًا.
وبدأتُ أنهل من أساتذة هذا القسم تلك العلوم المحببة إلى النفس فى النقد الأدبى، والدراسات الإعلامية، والجغرافيا السياسية، وتاريخ مصر المعاصر والحديث، والنظم والمذاهب السياسية، ونشأة الراديو والتلفزيون، والصحافة الإقليمة والعالمية، وفن الإلقاء، وفن الإخراج الصحفى، وفن الإخراج الإذاعى والتلفزيونى، الترجمة الإعلامية، مقدمات علم النفس، تاريخ الصحافة، الصحافة المحلية، اللغة العربية وقواعدها، ترجمة إعلامية، نشأة وسائل الاعلام وتطورها، المدخل النفسى للإعلام، اقتصاديات الإعلام، حقوق الإنسان، مدخل إلى الصحافة وغيرها الكثير والكثير بخلاف التدريب العملى فى القسم وفقًا للمتاح حينها ثم التدريب فى المؤسسات الإعلامية والصحفية.
كانت رئيسة القسم فى هذا التوقيت الدكتورة نوال عمر أما باقى الفريق فكانوا كُثر أذكر منهم (كنماذج غير مقيد بترتيب) مَن تركوا بداخلى بصمة جعلتهم فى الذاكرة حتى اليوم رغم مرور ربع قرن على وجه التقريب: هدى زكريا وهى أحد علماء علم الاجتماع السياسى. دكتور أحمد إبراهيم الهواري مدرس الأدب الحديث والنقد بكلية الآداب جامعة الزقازيق. وهناك أيضًا الدكتور سعيد نجيدة، دكتورة أمال الغزاوي. دكتورة أسما حسين حافظ. الدكتور عبدالفتاح عبدالنبى . والمعيد (وقتها) البشوش القريب إلى القلب دكتور محمد عوض . وهناك الدكتور الذى كتبتُ كل هذه الكلمات من أجل الوصول إليه .. هو الدكتور إبراهيم المسلمى. وهو حاليا أستاذ متفرغ بقسم الدراسات الإعلامية بكلية الآداب بجامعة الزقازيق وكانت بدايته كمدرس مساعد عام 1983 وتدرج فى المناصب حتى حصل على درجة أستاذ عام 1995 قبل تخرجى بعام ..

دكتور إبراهيم المسلمى الحازم دائمًا المبتسم دائمًا (الابتسامة مطبوعة على وجهه حتى ولو كان غاضبًا).. كان آخر ما يهتم به الامتحانات والتقييم .. اهتمامه الأول هو الحضور والاستفادة قدر الإمكان للاستفادة من الشرح وكان حريصًا على أن نقتنى كتبه .. فهى مراجع قيمة فى حد ذاتها .. لم يكن يبحث عن العائد المادى من خلفها لأنها كانت بمبالغ قليلة ولأنه كان يقدمها مجانًا لكل مَن يطلبها منه المهم أن نقتنيها، إنه من ذلك النوع الذى يعمل ما يحب .. بل يعمل ما يعشقه .. ويود لو نسير على نفس الخطى .. يستقر فى عقلى و وجدانى لأنى من نفس مدرسته، نعمل ما لانحب فنبدع فيه.
وغير كتبه التى كنا ندرسها له الكثير من المؤلفات فى مجال الإعلام أذكر منها : نشأة وسائل الإعلام وتطورها،الصحافة والمجتمع المعاصر، مدخل إلى الراديو والتلفزيون، الطبعات الدولية للصحف العربية، أحمد حلمى سجين الحرية والصحافة، الإعلام الإقليمى، النقد الفنى فى الصحافة، إدارة المؤسسات الصحفية، الصحافة الإقليمية، الصحافة العربية فى المهجر.
اليوم وبعد ربع قرن من العمل فى بلاط صاحبة الجلالة والإخراج والتأليف الإذاعى والإبداع الأدبى ( تسع روايات) أتحدث إلى الأستاذ الدكتور إبراهيم المسلمى بأن ابتسامته حاضرة فى ذهنى حتى اليوم وإن كان هو بالطبع لا يتذكرنى .. فقد مر عليه آلاف الطلاب.
اليوم وبعد هذا التاريخ الحافل والإبداعات التى أثرت المكتبة الإعلامية نبارك للدكتور إبراهيم المسلمى فوزه بجائزة من أكبر جوائز الدولة وهى جائزة التفوق فى العلوم الاجتماعية لسنة 2020م أطال الله فى عمرك دكتور إبراهيم.
التعليقات