إذا كان الولد صالحا فهذا بفضل تربية والديه الصالحة .... وإذا كان الولد فاسدا فهذا من عمله وعمل جيله .... فهو ابتلاء لوالديه أعانهما الله عليه ....
وجهة نظر المجتمع في التربية والتنشئة منصفة للآباء إلى حد كبير .... ولكن الأمر ليس بغريب .... لأن من لهم صوت في المجتمع هم الآباء فبالتأكيد لن يكونوا مخطئين.
وهذا يتوافق مع موقف سيدنا نوح (عليه السلام ) وابنه .... ابنه العاق الكافر الذي رفض صعود السفينة ورفض نبوءة أبيه فاختار الله أن يموت... وبالتأكيد الخطأ لم يكن في تربية سيدنا نوح عليه السلام ....
ويتوافق أيضا مع سيدنا موسى (عليه السلام) .... عندما قابل غلاما وقتله ... وجاء تأويله في سورة الكهف " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا"
كل هذا يؤكد أن الولد الفاسد لا يعنى بالضرورة فساد أبويه أو سوء تربيتهما ....
ولكن إذا بحثنا عن العكس فلن نجده بصحيح .... سيدنا إبراهيم (عليه السلام) .... خرج إلي الدنيا وكان أبيه آزر هو من يصنع الأصنام ويقدسها مثلما كان منتشر في تلك الفترة .... ولكنه رفض ضلالهم وأخذ يبحث بعقله عن خالق هذا الكون حتى منحه الله النبوة فأنار بصيرته .... ورفض أبوه تلك النبوة ورفض تصديق أن لهذا الكون إلها واحدا وهو ليس بتلك التماثيل المصمتة بلا حول ولا قوة ....
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سألت الرسول (ص) عن إذا كان قد مر بيوم أصعب عليه من يوم أحد .... فقال:" لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلي ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، قال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك بملك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وقال إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله (ص) بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا."
فإذا كان الأمر بالتربية فكيف سيخرج من أصلاب الكافرين موحدون بالله .... كيف سيخرج صالح من بيت فاسد ....
التربية على الأصول والقواعد مهمة ولكن هذا إذا كان الولد في الأصل صالحا يقبل هذه التربية .... ففي الأول والآخر الأولاد رزق مثل المال فهم زينة الحياة الدنيا فلا عليك سوى المعافرة لتقدمهم إلي المجتمع صالحين مؤمنين والباقي بيد الله سبحانه وتعالي ....
يسعد الآباء بولدهم الصالح دائما المتقدم على طريق مستقيم فلا ذلة ولا اعوجاج في خطوته ولو لمرة .... حتى ما أُبيح له من ملذات فهو زاهد عنها فلا يطلب ولا يأخذ .... ولكن في أغلب الأحيان يكون هذا الولد معقدا نفسيا وليس بصالح حقيقي .... من صرامة والديه خوفا عليه ومن صلاح شخصيته ورقة وجدانه أخذ بكل أمر لهما دستورا .... مع مبالغة الآباء في ذلك .... حيث يبالغ الآباء في الحرص والأوامر لاعتقادهم بأن الولد لن يأخذ بكل النصائح .... مثلما يزيد البائع في السعر كثيرا لأنه يعلم بأن المشتري سيفاصل .... ولكن الولد أخذها كلها .... فاعتقد أن الحياة هي اجتهاد فقط في دراسته ثم في عمله مع عمله المستمر لتقوية علاقته بربه .... "فلا أهمية لما يأتي من داخلك راغبا فيه .... تعتقد أن كل ما تريده هو شهوة يجب عليك كبحها .... ولو كانت حلالا" .... أكلة يشتهيها، رحلة مع الأصدقاء، نزهة إلى مدينة ألعاب ولو كنت كبيرا .... تعتقد أن كل هذا ليس من حقك فترفض صراخ عقلك وقلبك بحاجته وتستمر تعيسا في جدولك اليومي المليء بالمسئوليات .... يظن الآباء أن هذا صلاح ولكنه مرض يحتاج إلى علاج قبل أن يكتشف هذا وحده لأنها صدمة ما بعدها صدمة ....
حينما يكتشف أن له حقوقا مثلما عليه واجبات .... له حرية فيما يحب ويهوي وفيما يفعل في حياته .... وبعد كل هذا سيظل أيضا الولد الصالح طالما لم يفعل ما يغضب ربه .... سيحاول أن يعوض ما فاته من فرح وسعادة ... سيتعجب الجميع من تصرفاته العادية عند الجميع ولكنها غريبة عليه ....
تحدث أكثر من شخصية معروفة على وجوب وجود اختبار لمن يريد الإنجاب لمعرفة مدى تأهيله لتلك المسئولية .... فإذا أصبح الأمر عادلا خارجا عن كل واسطة ورشوة .... أعتقد سيكون قانونا في محله ولكن ليس بمنع من هم ليسوا مؤهلين من الإنجاب بل بوضع بروتوكول لتأهيلهم ثم اختبارهم مرة أخرى ....
إذا رزقك الله بولد أرضه صالحه لأية بذرة فاعلم أنه هبة من الله سبحانه وتعالي .... ومن السهل عليك أن تخرجه ولدا صالحا ولكن من الصعب أن تخرجه صالحا سعيدا ....
فاعمل على كلا الجانبين .... حتي تجني ثماره في الكبر .... فالسعيد هو المحب هو المعطي هو الأجمل هو البار .... هو الحياة ....
" لو ينسى الواحد أحزانه .... هيشوف الورد وألوانه .... لو نفتح للدنيا قلوبنا .... هتدق الأحلام على بابنا .... دي ساعات الدنيا بتوعدنا .... ونقرب منها وتبعدنا .... حبها من قلبك .... حبها هتحبك .... اضحك للدنيا .... الفرحة هتيجي في غمضة عين ...."
التعليقات