هالني ما كتبه أحدهم على صفحته على "فيسبوك" حينما كتبَ ما أطلق عليه "مقال نقدي"، ولم يلفت نظري رأيه الغريب فى أحد الأعمال الفنية، لأن ما أفزعني هو كتابته لكلمة "النقد"، فلم يكتبها هكذا "نقد" كما نعرفها جميعًا، إنما كتبها "نقض"..!! وفى المرة الأولى تركتُ الخطأ يمر على اعتبار أنه مجرد "سهو"، لكن مع تكرار الخطأ أيقنتُ أنه يكتبها عن اقتناع، وبالتالي وقفتُ أمام الكلمة فى حالة من الذهول، فإن لم تكن تعلم كيف تكتب كلمة "نقد" فكيف لك أن تتجه إلى هذا المجال وتسمي نفسك "سيناريست وناقد".
نعم .. هذا هو المسمى الذي يزين به صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي، ولأني لا أريد أن أترك أي نسبة ولو بسيطة لاحتمالية خطأ توقعي، فكتبتُ ردًا عليه، كتعليق من بين التعليقات: "المصطلح اسمه النقد الفني .. وليس النقض الفني"، لعله يرتدع ويقوم بتصويب الخطأ، لكن المفاجأة أنه كتب ردًا على تعليقي "اسمها محكمة النقض.. وليست محكمة النقد"، فصرختُ بصوت عميد المسرح يوسف بك وهبي "يا للهول"، لقد انتقل بنا "الناقض" الهمام إلى منطقة أخرى، أو لنقلها بصراحة، لقد أطلق فى وجهي قذيفة أخرى تؤكد مدى جهله، وبالطبع قررتُ عدم مجادلة الأحمق كعادتي، لأنه لو أرهق نفسه لحظة لعرف الفارق الكبير بين الكلمتين، لكن نزعة أخلاقية تنويرية بداخلي أجبرتني على توجيهه وعدم تركه، فكتبت له "يا عزيزي لهذا شأن وذاك شأن آخر.. اجتهد وابحث لتعلم".
ولو بحث فعلا لعلم أن "النقد الفني" هو عملية يتم من خلالها تحليل وتقييم الأعمال الفنية إما سلبًا أو إيجابًا، و"الناقد" هو مَن يحاول تفسير وتوضيح العمل الفني، حيث يفسر معاني الرمز أو يتتبع البناء التشكيلي للعمل ويكشف دلالته التعبيرية، ويصف ما تذوقه فى العمل والتأثير الذي ينبغي أن يكون لهذا العمل على المشاهد، وعملية النقد الفني وما يقوم به الناقد: فى الأساس عبارة عن كشف غموض أو رموز أي عمل فني والبحث فيما خلف النص والحركة، تحليل كامل للعمل بحيث يُسهل للعامة استيعابه بشكل أفضل، كما أن الناقد يوضح السلبيات والسقطات فى العمل الفني من أجل التطوير والوصول به أو بغيره للأفضل.
أما "النقض" يا عزيزي فهي كلمة موقعها هناك فى المحاكم، لأن "نقض" ببساطة تعني "نكث، أفسد" ونقض العهد: نكثه وأفسده، وحينما يَصدر حكم محكمة، فيأتي "النقض" بعده، وهو حكم قضائي بإلغاء وبطلان الحكم السابق. والحقيقة أني لم أتوقع ذات يوم أن أتحدث موضحًا الفارق بين كلمتين بينهما هذا التباعد فى المعني، لكن هذا الإصرار والتعدي على أمانة مهنة لها احترامها و وقارها "النقد الفني" ما جعلني أتحدث موجهًا كلماتي الأخيرة إلى هذا "المدعي" وأمثاله فى كل مجال، رجاء يا عزيزي لا تتحدث وتجعل من نفسك خبيرًا وأنت لا تعرف كيف تكتب الكلمة، فأنت بالتالي لا تعرف معناها، ومن ثمَّ لا تعرف خطواتها، قواعدها، أصولها، وغير كل هذا: ماذا تفعل أمام أعمال فنية كتبها أساتذة أصحاب خبرة، قرأها ونفذها مخرج له باع فى دراسته وعمله مع فريق من الممثلين لديهم من الخبرة والحنكة والدربة ما يكفي لسطر مجلدات، فقبل أن تتحدث كـ "ناقد" اسأل نفسك ما هو موقعك من كل هؤلاء؟!
وأنا لا أمنعك من أن تُبدي رأيك الشخصي فى أي عمل فني، فمن حقك أن تقول هذا رأيي، وإن أوضح لك أحدهم الصواب الذي يؤكد خطأ وجهة نظرك، عليك أن تعلن مباشرة أنك فهمت وتعلمت، ولا تجادل أبدًا أمام متخصص، وأخيرًا أؤكد لك أن المتخصص الحقيقي قرأ، ودرس، وتعلم، وفهم الكثير، وأعلن فى بدايته أكثر من مرة بأنه قد أخطأ حتى وضحت له الحقيقة وفهم، وهذه درجات سلم يجب أن يصعدها كل متخصص حتى يصل إلى درجة الخبير، وأهمس إليك بأن "الخبير" أيضًا، وبالرغم من كل ما يمتلكه من معرفة، لم ولن يصل إلى مرحلة الكمال ابدًا.
وأستغل هذه المساحة لأقول فى الموسم الدرامي، رمضان الماضي، خرج علينا عدد لا يحصى من النقاد، كل يدلو بدلوه فى أحد الأعمال الدرامية بشكل غريب.
رجاء اتركوا ساحة "النقد" لأهلها، حينها فقط، ومع أراء وتحليلات "النقاد"، سوف تستمعون بالأعمال الدرامية لأنكم حينها تشاهدونها برؤية واعية ومن خلال عين خبيرة، اسمها عين "الناقد"، ومن خلال عملية اسمها "النقد" وليست "النقض" يا عزيزي.
التعليقات