جاءوا من خلفِ أنينِ البحر
اجتمعوا حول المائدةِ الرمليّة
وأنا أرتشفُ الفنجانَ العاشر
والشارعُ يحتضنُ الإسفلتَ الأسودَ
والشمسُ تحلِّق فوق زجاجِ الكازينوهات
لن تصلَ الشمسُ إلى أحلامي الباردةِ الأطرافْ
جاءوا كالخطَّاف
خطفوا منِّي "الشاعرَ"
أصبحتُ عصيَّ الفهمِ
عصيَّ الإدراكِ
عصيَّ الحسِّ
عصيَّ الدمع
جاءوا ..
والأنهارْ
تفترقُ الآن
والأطيارْ
تعتزمُ العودة
كانتْ عيناها قطعةَ موجٍ في جبلٍ أسود
قدماها عاريتين
كنتُ أحبُّ الأزهارَ تقبِّل قدميها
لن تخرجَ أزهاري من ميسمِها
كانت تمتدُّ أمامي كالنهر
تفترقُ كبدرٍ عن ليلِ الأحزان
وتجئُ إليّ
كلُّ الأنهار
تجتمعُ الآنَ على نهديها
والشارعُ يزأرُ في قلبي
فأسدُّ شبابيكَ الوقتِ
وأنهلُ من كفيها
أرتشفُ خطوطَ العمرِ
وأفترشُ أناملَها العشرةَ
يتبخَّرُ ماءُ البحرِ
يخلِّف أملاحَ القاعِ لنا
أزرعُ بين أصابِعها الخضرِ
مآذنَ وسفينة
أرسمُ في عينيها
تمثالَ الأشرعةِ المنطلقةِ
وأغنِّي للحريّة
جاءوا خلفي
في صورةِ ماسحِ أحذيةٍ،
بائعِ لبٍّ وسجائر
سرقوا مني "الشاعر"
سرقوا أقدامي
وافترقوا في عرباتِ الحنطورِ
وفي سياراتِ المرسيدسِ
في مصعدِ "قصرِ القطن"
وفي أسعارِ الدولار
وداخل آبارِ النفطِ
خطفوا مني أقلامي
قطعوا كفِّي
ثم اجتمعوا في البورصةِ
وافترقوا ..
ثم اجتمعوا فوق دمي
فلتهربْ من شرياني
يا هذا الدمَّ القاني
الريحُ تغنِّي خلف الأشجارِ المقطوعةِ
والليلُ يسائلني عن كفِّي
عن شِعري ..
عن شمسٍ تصعد خلف الأبراجِ
وأنتِ تغنينَ أمام الملهى للمخمورينَ وللقتلة
وأنا أوهمُ نفسي .. أنكِ لي
لم يكن العادة
أن أشربَ تلك القهوةَ .. سادة.
التعليقات