الأحلام هى الشاشة الخفية التى نرى فيها حقيقة أنفسنا دون رتوش، وبعيدا عن رقابة المجتمع وسيطرة الأنا العليا، الأحلام وسيلة للتنفيس تمنحنا الواقع الافتراضى الذى يحقق لنا إشباعا نصفيا هربا من الواقع المرير، الأحلام طريقة لتفريغ الذاكرة من النفايات العالقة فى الذهن، الأحلام ترفع الغطاء وتكشف النقاب عن الكثير من الرغبات الدفينة فى النفس البشرية.
الأحلام مفتاح الشخصية الإنسانية لبوابة الدوافع والأغراض، الأحلام تقوم بعمل مسح جغرافى وتاريخى لكل خبراتنا، الأحلام لا تخضع لقواعد المنطق، بل تتجمع فيها عناصر تأتى من خبرة حديثة مع بقايا ذكريات ماضية (يعنى بتجيب القديم على الجديد)، الأحلام هى اللاوعى الإجبارى، أما اليقظة فهى الوعى الإلزمى، الأحلام عبارة عن تطاحن وصراع الوعى مع اللاوعى، ويحدث ذلك عندما يختزن الوعى مشاعر مكبوتة فى اليقظة يترجمها اللاوعى إلى انفعالات معلنة فى المنام لأن مخاوفنا تترسب فى العلم وتتجسد فى الحلم.
الأحلام واحد من أعظم العلاجات الطبيعية، ففى أثنائها نقترب ونفسر تراكمات الماضى وملامح الحاضر وتمنيات المستقبل، كما يمكن للعقل أن يصل إلى حلول للمشكلات ويتنبأ بالنتائج، إضافة إلى التلاعب بالاحتمالات من خلال عناصر التحليل، وبالتالى يزيل الغشاوة ويصحح الإبصار، الأحلام جزء مهم من دراستى الجامعية كخريجة لقسم علم النفس كلية الآداب، وقد تخصصت فى دراسة سيكولوجية الحلم عند أيزنك وجيلفورد وفرويد، وهذه أبحاثى فى هذا المجال الشيق الذى ساعدنى كثيرا مهنيا وإنسانيا، ومن هنا أدعوكم لقضاء رحلة تثقيفية لتفسير ماهية الأحلام وأزمنتها وأنواعها وأوضاعها، علَّنا نقترب من دواخلنا فنعى أفعالنا.
■ أزمة الأحلام:
الأحلام عبارة عن أسفار تنتقل فيها الروح إلى أزمنة وأماكن لا حدود لها، ففى عملية النوم يغفو العقل والجسد، لكن مع الاستغراق يصبح الجسد نائما، بينما يفيق العقل وتبدأ النفس فى مغادرة الجسد والذهاب فى رحلات غير واعية وقبل الاستيقاظ تعود كل طاقة إلى قواعدها الأساسية، يحدث أحيانا أن يفيق العقل قبل الجسد وهنا يظهر ما يسمى شلل الحركة الجسدية لثوانٍ، كأن الجسم مخدر أو يميل إلى التنميل، لكنه ينتهى سريعا مع الإفاقة الكاملة، أما عن أزمة الحلم فهى ثلاثة تسمى (ألفا وبيتا ودلتا)، ومسألة حدوث الأحلام تتم فى أربع إلى خمس مُدد زمنية ضمن حدود نوم مدته ٨ ساعات.
الأحلام المتلاحقة السريعة تحدث فى المدة الأولى من زمن النوم، بينما الأحلام الأكثر طولا تقع فى المُدد الأخرى، وللتوضيح أكثر: الأحلام تتم على مستويين، المستوى الأول، وهو الذى يحدث فيه استدعاء للأحداث التى مر بها الإنسان خلال اليوم، أما المستوى الثانى، الأكثر عمقا وطولا، فهو يتضمن الأفكار والرغبات والدوافع الباطنية، الإنسان العادى يحلم خمسة أحلام فى الليلة الواحدة تقريبا، لكنه لا يتذكر إلا الحلم الأكثر غموضا وأهمية بالنسبة له.
ويظل هذا الحلم يراوده ويتردد فى اللاوعى حتى وصوله إلى مرحلة ما قبل الاستيقاظ مباشرة، وللعلم، الجميع يحلمون، لكن إذا صادفت شخصا يقول إنه لا يحلم، فعدم تذكره لأحلامه يعود إلى عملية كبت أو كظم نفسى يلجأ إليه لا شعوريا لإبعاد تفاصيل مربكة عن شعوره حين يستفيق، لأن وصولها إليه سيشكل نوعا من التهديد، وبالتالى يلجأ العقل إلى الهروب اللاإرادى بعملية النسيان الفورى أو إسقاط الحلم من الذاكرة لأن المقاومة تتقلص أثناء النوم وتنشط فور الاستيقاظ.
■ أنواع الأحلام
هناك أربعة أنواع من الأحلام متفق عليها بين علماء النفس، النوع الأول يسمى النموذجى وهو يتضمن أحداثا تندرج تحت بند المخاوف مثل الحلم بالسقوط فى لجنة امتحان أو القفز فى الهواء أو احتباس الصوت، والنوع الثانى يندرج تحت بند جلد الذات ومحاسبة الأنا عن أفعال تحدث فى الواقع ويدفع النائم ثمنها فى الأحلام، وعادة تكون أفعالا ضد إرادته الشخصية أو لا تتماشى مع الضمير الإنسانى، أما النوع الثالث فهو أحلام القلق وله علاقة بالمخاوف المرضية التى تتحكم فى الإنسان من خلال افتقاده عناصر الأمان والطمأنينة، وأخيرا الكوابيس، وهى النوع الرابع، وتتضمن الأشكال المفزعة والكيانات الهلامية، وتأتى من تزاحم الأفكار وإرهاقها، ولكل رمز حلمى تفسير علمى نفسى بعيدا عن التفسيرات الروحانية.
■ أوضاع الأحلام
هناك أربعة أوضاع للنوم، ولكل وضع تفسير علمى نفسى أيضا يكشف جوانب كثيرة من شخصية صاحبه، الوضع الأول هو الجنينى، وتفسيره العلمى افتقاد الأمان والسكينة فى الواقع، والوضع الثانى هو الجانبى يمينا أو يسارا، وتفسيره هو الحيرة فى اتخاذ القرارات والاختيارات، والوضع الثالث هو الانسحابى، وهو النوم على الوجه وتفسير رفض الواقع والتمرد عليه، أما النوع الأخير فهو الانبساطى وهو النوم على الظهر وتفسيره حالة التصالح مع النفس والثقة بها.
وقبل أن أختم مقالى هذا هناك بعض التوصيات لسلامة النوم واستقرار الأحلام، بالطبع الأحلام لا تغير مصائر، وإنما فقط تعدل طرقا وأساليب، فلابد من تسجيل أحلامنا اليومية فى كشكول لتكوين رؤية كاملة وشاملة عما يدور داخلنا من أمانٍ وتطلعات ومن مخاوف، كما يجب الالتزام بقواعد معينة لضمان صحة وسلامة النوم، أولاها النوم فى مواعيد ثابتة، والامتناع عن تناول الكافيين والتدخين، وتجنب مشاهدة مواد مرعبة مزعجة وتثبيت إضاءة خافتة مع صوت موسيقى ناعمة تساعد على الاسترخاء مع مراقبة عدد ساعات النوم، وما إذا كانت متواصلة أم متقطعة والابتعاد عن تناول أطعمة دسمة قبل النوم.
والاهتمام بتنسيق وترتيب غرفة النوم التى تحتوى على الأحلام، فكلما كانت مريحة جاءت الأحلام على شاكلتها، وأخيرا إذا استطاع الإنسان أن يفكر فيما يتمناه قبل النوم بشكل يومى، فسوف ينتقل إلى منطقة اللاوعى، التى من خلالها سيتلقى الإجابة الشافية عن تساؤلات عدة تحيره فى الواقع. ونصيحة أخيرة لكل الحالمين: لا تطلقوا العنان للاوعى أن يعبث بأحلامكم كما يحلو له، كونوا يقظين فى أحلامكم.
التعليقات