نحيا على اعتقاد أننا في أزهى حقب عصر التنوير، ولكن التنوير لا يقتصر على الاطلاع على أهم الأحداث ومتابعة آخر الأخبار في كل المجالات، كما يعتقد البعض، وإن كان هذا جزءًا هامًا من عملية التنوير.
التنوير مصطلح أكثر شمولية من ذلك؛ فهو يشمل معرفة كل ما حدث وانتهى، وكل ما يحدث ومستمر في الحدوث، مع توقع كل آتٍ والاستعداد لمواجهته، بالإضافة إلى العمل على ضمان استمرار عملية التنوير لأجيال قادمة، بإذن الله.
يتوقف البحث في الماضي عندما نصل إلى تساؤل مفاده: هل هذه المعلومات صحيحة أم مغلوطة؟ وإن افترضنا صحتها، فهل معرفة الخبر أو الحدث، مجردًا من أي مشاعر، كافية لاستيعاب تلك التجربة البشرية؟ وهنا تأتي الإجابة مسرعة إلى الذهن: إذن عليك بالأدب.
فما أكمل أن تعرف ما حدث، مسرودًا داخل نقل أمين للتجربة الإنسانية بتفاصيلها، سعيدة كانت أم حزينة. تتنوع المصادر بين ألوان الأدب المختلفة، كالرواية والقصة القصيرة والشعر والنثر والمقال الصحفي وغيرهم؛ فما عليك إلا اختيار الحقبة الزمنية التي تريد دراسة أحداثها، ثم البحث عما أُنتج إبانها من أدب، لتبدأ معهم تجربة غنية لا تُنسى.
والحق يُقال، إن الفضل، وكل الفضل، يعود لمن سبقونا؛ إلى من كرسوا سنوات عمرهم في سرد وتوظيف الحقائق والمشاعر، التي تختلف في كل زمن على المجتمع ذاته.
فعندما بحثنا نحن وجدنا الكثير، ولكن هل نضمن هذا الحق للأجيال القادمة؟ هل أدَّينا دورنا في حفظ ونقل تجربتنا البشرية لتلك الأجيال؟
في ظل بزوغ نجم السينما والتلفزيون، دخل الجميع تحت ظلال فكر "نقدِّم ما يريده الجمهور"، ونسوا بذلك الدور الأساسي الذي خُلق لأجله السينما والتلفزيون. فما خُلقا إلا لمزيد من الحفظ والنقل، بالإضافة إلى المتعة، بهذا الترتيب وعلى تلك الأهمية، وليس العكس.
فعندما بدأت السينما في الظهور، كان الروائي يكتب قصته ويقدِّمها إلى الجمهور، ثم تُقدَّم القصة ذاتها في عمل سينمائي بنظرة إخراجية مختلفة عن نظرة الروائي، إذ يريد كل طرف إثبات دوره وترك بصمته. ولكن هذا لا يقلل أبدًا من نظرة الروائي الإخراجية. نعم، الإخراجية؛ فإذا دخل الروائي عالم السينما، لأصبح مخرجًا وليس سيناريست، كما هو دارج.
إذاً، فللأدب الحق في وقفة عاجلة. يجب فيها إعادة النظر إلى قواعده وثوابته، ثم تطويعها لتناسب الجيل الحالي من الشباب. فالأدب فن، مثله مثل كل الفنون؛ فكما أصبح الفيلم أقصر، والأغنية أسرع، وأصبحت قصة العمل الدرامي تُقدَّم على حالتها بلا مماطلة، وإن كانت في ثلاث حلقات، مغايرة بذلك كل ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا.
فإن كانت عقول جيل الشباب الحالي لا تتناسب مع الأدب بصورته التقليدية القديمة، ولا حل أمامنا لتغيير عقولهم، فلا مانع من تغيير صورة الأدب في أذهانهم، من أجلهم ومن أجل أجيال قادمة.
التعليقات