"خيال الشك"، و"شاعر الحجاز"، قصيدتان موجهتان للشاعر الأمير عبدالله الفيصل (1923 – 2007)، والشاعر محمد حسن فقي (1912 – 2004)، على التوالي، كتبهما الشاعران؛ السعودي سعد الحميدين، والمصري د. أحمد عامر.
يقول سعد الحميدين في مقدمة "خيال الشك": "إلى الشاعر الأمير عبدالله الفيصل أول من أطلق عصفور الشعر السعودي إلى آفاق الشرق، فجعله يغرد على ألسنة كوكب الشرق وعندليبه الأسمر، ونجاحه ..".
أما أحمد عامر فيقول في مقدمة قصيدته "تحية إلى الشاعر السعودي الكبير محمد حسن فقي الذي قال في إحدى قصائده:
لم أكن بالغبي يومًا ولكن ** ني تعلمت من ذكائي التغابي
(يا غاضبا) عليَّ قد أخفق السـعـ ** ي فكونوا عليَّ غير غضابِ
واتركوني وحدي فما عدت حتى ** بيراعي أهتم أو بكتابي
وينطلق عامر في قصديته "شاعر الحجاز" من خلال هذه الأبيات الثلاثة، بل يتخذ من البحر نفسه (الخفيف) والقافية نفسها، والروي البائي نفسه قالبًا لقصيدته، فيقول:
أيها الشاعر الكريم تغابى ** والدنا للغبي لا المتغابى
ثم يتحدث في أبياته بعد ذلك عن الزمان، والدولار الذي أصبح سيد الموقف، وأصبحت كلمته فصل الخطاب، فيقول:
هل ترانا نعيش إلا زمانا ** يتولَّى الغبيُّ ظهر الركابِ
هل ترانا نموت إلا زمانا ** إذ يصيرُ "الدولارُ" فصلَ الخطابِ
يا زمانًا هوى بمكر الذئابِ ** يا زمانًا يسودُ فيه المرابي
إنها – كما نرى – ليست قصيدة مدح أو أخوانيات، بقدر ما هي مشاركة وجدانية بين شاعرين من مدرسة واحدة يعيشان أزمة واحدة، هي أزمة العالم المادي المعاصر، والزمان الذي يسود فيه المرابي.
لقد رأى الشاعر أحمد عامر نفسه، وأحس بأزمته الروحية في أبيات الشاعر محمد حسن فقي، فجاءت قصيدته صدى وجدانيًّا. ومن هنا تتضح العلاقة أو يظهر التواصل الذي يربط بين الشعراء العرب المعاصرين في مدارسهم الشعرية المختلفة.
أما سعد الحميدين – وقد جاءت قصيدته النونية من بحر الوافر – فيلاحظ أنه يركز على قضية الشاعر والغناء، أو الشاعر المغنِّي، أو التغني بالشعر. إنها قضية فنيَّة على أية حال يصوغها الحميدين شعرًا بعد أن لاحظ، ولاحظنا معه، توقُّفَ الشاعر عبدالله الفيصل عن الغناء – قبل رحيله بفترة -. يقول الحميدين:
أبا الأشعار إن الصمت يضني ** على مر الزمان يكاد يُفني
أفتش عنك ما بين القوافي ** وطيب شعرك العذبِ الأغنِّ
ولأن قضية الحميدين هي قضية الغناء والتغني بالشعر عند الفيصل، فإنه أشار في مقدمته إلى أساطين الغناء الذين تغنوا بشعر الفيصل في العالم العربي، كما أشار في ثنايا أبياته إلى بعض المقاطع التي تغنَّى بها هؤلاء الفنانون، وبخاصة أم كلثوم (هي لم تخني .. أكاد أشك في نفسي لأني ..) كما احتوى قاموس قصيدته إلى ألفاظ كثيرة تنتمي إلى عالم الشعر والموسيقى والغناء والاستماع مثل: (القوافي – لحن – الشعر – التغني – الوتر المرن – المغني – الفن – الأشعار – اللحون – بح الصوت – لم نشدُ – قصائدي – أذني – وزن – الأغن – فني – موزون – القريض ..). كما أننا نلاحظ أن عنوان القصيدة "خيال الشك" وبحرها الشعري استوحاهما الشاعر من أغنية أو قصيدة مشهورة لعبدالله الفيصل هي "ثورة الشك" التي تغنت بها أم كلثوم.
إنها أيضا ليست قصيدة مدح أو أخوانيات بقدر ما هي مشاركة وجدانية فنية جمعت بين الشاعرين وأكدتها همزة (أفتش – أردد – أمضي – أعلن – أرسل) وتاء الفاعل في (ذكرتك – لجأت – عفت – سددت – نظمت – طرقت – أرسلت) والياء في (يلسعني – أُبدي – فني – عني – نفسي – أني – ظني – يفتنني).
ولعل القضية الفنية التي حاول الحميدين إيصالها تكمن في هذين البيتين بالتحديد:
ذكرتُك عندما جاءت فلولٌ ** تحاول ذبحةَ الوترِ المرنِّ
تمزقه بمخلابٍ دميمٍ ** فتجلده، وتهزأ بالمغني.
التعليقات