احتوى ديوان الشاعر السعودي حسين عجيان العروي "لمَ السفر، نبوءة الخيول بشائر المطر؟ قصائدي انتظار ما لا ينتظر" الصادر عن النادي الأدبي الثقافي بجدة على سبع وخمسين قصيدة ومقطوعة شعرية، كلُّها تنتمي إلى ما يسمى بالرومانسية الجديدة، وهي تختلف عن الرومانسية القديمة التي تمثَّلت في شعر شعراء مدرسة أبوللو من أمثال إبراهيم ناجي وأحمد رامي وعلي محمود طه وحسن كامل الصيرفي وصالح جودت وغيرهم.
أما الرومانسية الجديدة فهي تنطلق أيضا من عالم الذات لتصبَّ مرة أخرى في عالم الذات، بمعنى أن ذات الشاعر هي المحور الذي يدور حوله العالم الشعري، وهي مركز الكون وبؤرة الاهتمام، فينطلق منها كل شيء ويعود إليها كل شيء، وهي على الدوام ذات معذبة متغربة متألمة متحيرة متوحدة مع أحزانها وآلامها التي لا تستطيع منها فكاكًا، بل نحس أنها تستعذب هذا العذاب والألم، ومن ثم فهما مادة خصبة لقصائد كثيرة تتنوع أوزانها وقوافيها.
يقول العروي في قصيدة "حيرة" (ص 84):
من أين أبدأُ والطريقُ دوائر
والأبجديةُ هوَّة سوداءُ؟
والبوحُ مصطخبُ السكون،
معاقلي أبديَّةٌ موبوءةٌ صمَّاءُ
زمن انتثاري في الظنونِ قصيدةٌ
أعلى رمادي ترقص الأضواءُ؟
ومن خلال قصائد الديوان نلاحظ أن للعروي قاموسه الخاص به الذي يختلف كثيرًا عن قاموس الألم والحزن والغربة والحيرة والاضطراب والسهد والأرق الذي تميز به قاموس الشعراء الرومانسيين القدامى. إنه يستفيد كثيرًا من مفردات القاموس الشعري المعاصر، ومن منجزات الصورة الشعرية الحديثة ويطوعها لقصائده ذات الشكل التقليدي أو البيتي، ولعلَّ هذه السمة تُعد من أهم سمات القصيدة الرومانسية الجديدة في الشعر العربي المعاصر، وبخاصة عند حسين عجيان العروي. يقول في قصيدة "أعشاب ليلة حجرية" (ص 69):
يا ليلة حجرية .. قدري ** عيناك يا معشوقة الألمِ
عيناك .. يا عينيَّ أغنية ** نبتتْ وجودًا أحمر العدمِ
أحلامُك الرعناءُ منطقةٌ ** شعريَّةٌ أبدية السأمِ
اغترف العروي موسيقاه في ديوانه هذا من عدة بحور شعرية هي: الكامل والرمل والبسيط والخفيف والطويل والوافر ومجزوء الوافر والمتقارب. ويلاحظ أن النسبة الأكبر كانت لبحر الكامل (19 قصيدة) يليها البسيط (15 قصيدة) فالطويل (7 قصائد) بينما جاء المتقارب في ذيل القائمة حيث جاءت منه قصيدتان فقط.
وقد حاول العروي في مرات قليلة الخروج من الشكل البيتي للموسيقى، وخاصة موسيقى القافية الموحدة، ومثال ذلك قصيدة "كيف تموت الأشجار" (ص 121) ولكنه لم يكرر التجربة مرة أخرى على مستوى الديوان الذي بين أيدينا، ولعل قصر معظم قصائده أو مقطوعاته الشعرية، لم يسمح بهذا التنوع الموسيقي، فنجد أن هناك مقطوعات احتوت على ثلاثة أبيات فقط، مثل مقطوعة "قرار" (ص 133) ومقطوعة "انعطاف" (ص 134). تقول المقطوعة الثانية:
الليلُ ما الليل؟ ساعاتٌ مسافرةٌ ** إلى التحول نحو "المجد والأسفار"
"مرج التصادف" انبات أمازجه ** يأسا .. ويقرؤني في لونِ مقترفِ
هيا إلى الأكمات البيضِ إن يدي ** على شجوني وموتي قبل منعطفي
كما حاول العروي الاستعانة بأبيات من الشعر النبطي، وتمثَّل ذلك في قصيدة "ما تنكدون إن شاء الله" (ص 156) ولا أدري سببًا لهذا الخروج من الشعر الفصيح إلى النبطي في هذه القصيدة ثم العودة إلى الفصيح مرة أخرى، هل لأنه قال في فصيحه:
أمازج ألوان التنابت عائدًا ** إلى "زمن الفوضى البدائي" والأنا
وابدأ "طفلا" في التهاب رجولة ** مسائية الإمطار مترفة الغنا؟
قالت عنه الموسوعة الحرة "ويكيبيديا": "يتميز شعر العروي بأنه يجمع بين صفات الشعر المحافظ والشعر الحديث، ويتمرد على الشعر في صوره وأخيلته، وفي تجاوز اللغة المألوفة إلى لغة متفردة ذات صبغة فنية مثيرة. ويتوق من خلال شعره إلى التجديد والابتكار بدءًا من عناوين الدواوين والقصائد. كما أن العروي مهتم باللغة حد الإدهاش وكذلك التشكيل الجمالي".
ونلفت أيضا إلى هذا العنوان الطويل والمتميز لديوان الشاعر "لمَ السفر، نبوءة الخيول بشائر المطر؟ قصائدي انتظار ما لا ينتظر"، فربما يكون هذا العنوان الطويل من سمات الرومانسية الجديدة، حيث لم نجد في عناوين قصائد أو دواوين الشعراء الرومانسيين السابقين مثل هذا الطول.
التعليقات