نظرية الخداع موجودة فى كل زمان ومكان، يستخدمها الماكرون لتحقيق أغراضهم الخفية، فعلى سبيل المثال حين فكر نابليون فى غزو مصر بعدما نصحه سفيره هناك بذلك لقطع طريق الاتصال بين بريطانيا- عدوه اللدود- ومستعمرتها الهند ذات الأهمية الاستراتيجية لبريطانيا، أعد نابليون حملة على مصر عام ١٧٩٨ وأقلع أسطول فرنسى مكون من ٤٠٠ سفينة تقوده سفينة القائد أوريليان والتى تعنى الشرق، لكن الغزو الفرنسى اصطدم وقتها بمقاومة شديدة من أهالى الإسكندرية وحاكمها، بعدها فكر نابليون فى حيلة يستطيع بها احتلال مصر بأقل الخسائر فأظهر نفسه محبًا للإسلام وأنه أتى لتعمير مصر وإنقاذ أهلها من ظلم المماليك ونشر الإسلام فى العالم مستغلًا سذاجة الناس وجهلهم.
وبالطبع فرح الأهالى بالادعاء الكاذب وأصبح نابليون بطلهم القومى وصموا آذانهم عن أقوال العملاء والعقلاء واستقبلوا جيشه بالورود والزغاريد وفى غضون أيام استطاع نابليون احتلال كامل مصر دون أى خسائر ثم ظهر وجهه الحقيقى بعد حملته على الشام وأوغل دماء أهل مصر والشام ودمر المساجد، ولأن السفهاء والحمقى لا يتعظون فى العصور القديمة ولا فى العصور الجديدة، فقد استخدمت أمريكا نفس الأسلوب فى غزو العراق وخدعت الشعب العراقى بوعود الحرية والديمقراطية وإعادة الإعمار فاستقبلوا الدبابات الأمريكية فى بغداد بالزهور.
وبالمثل نفس ذات الخطة حدثت بالورقة والقلم مع بعض الإضافات حين ساعدت تركيا وإسرائيل محمد الجولانى للإيقاع بنظام بشار الأسد وتفكيك الجيش السورى على أساس أنه تابع له وليس للبلد، وفى المقابل اخترقت إسرائيل الحدود السورية واحتلت أراضى جديدة غير هضبة الجولان وألغت اتفاقية فك الاشتباك وتخلصت من الجيش السورى الذى حاربها عام ٧٣ وبنت منطقة عازلة فى أراض محتلة جديدة لحماية هضبة الجولان التى هى أصلًا أراض محتلة قديمة، وبالطبع الإدراك الحقيقى لما وراء الستار دائمًا يأتى متأخرًا بعد فوات الأوان، مع الأسف لم يُنتَبه إلى النموذج المصرى الذى حافظ على جيشه ولم يتعلموا شيئا من تفكيك الجيش الليبى والعراقى واللبنانى واليمنى والسودانى، بكل أسف كرروا التجارب المؤسفة بحذافيرها وفككوا جيش بلدهم بأنفسهم.
وفات عليهم أن يتأملوا خلاصة التجربة المصرية التى تم إنقاذها من هذا المصير المشؤوم على يد جيشها الباسل الذى حارب الميليشيات الإرهابية بقبضة من حديد وهو الذى سمح بنزاهة الانتخابات ونقل السلطة بشكل سلمى لجماعة الإخوان وحين ظهرت مطامعهم الدنيئة قدمهم للمحاكمة، ومنع تهجير الفلسطينيين وحمى سيناء حتى وقتنا هذا وحافظ على استقرار البلاد للدرجة التى مكنتها من استقبال كل إخوانها الأشقاء من ليبيا والعراق وسوريا والسودان واليمن ولبنان وجميع البلاد التى انهارت من جراء نظرية الخداع، ومعنى ذلك أن الجيش فى كل بلد هو الدرع التى تحميه وتحمى شعبه من الدمار، مصر الوحيدة التى لا تزال سدًا عاليًا لم يستطع أحد الاقتراب منه.
ولأن حرب أكتوبر من الصعب أن تتكرر ولا أحد سيدخل فى حرب مباشرة مع الجيوش النظامية فليس أمام أهل الشر منفذ للإيقاع بوطنك سوى طريقين، إما أن يرسلوا لك ميليشيات تدخل معك فى حرب عصابات أو أنهم يحاربونك بالشائعات لزعزعة أمنك وأمانك، فالذى يحدث فى سوريا الآن هو ما حدث فى مصر عام ٢٠١٣، حين غرقت سيناء بالميليشيات المسلحة ورفعت حدة عملياتها حتى وصلت إلى القاهرة وكانت العبوات الناسفة ملقاة فى كل جنب وعلى كل رصيف، ومن هنا المصريون هم أكثر الشعوب قراءة للمشهد.
وقد كان من الممكن أن نضيع لولا ستر الخالق واتزان الشعب المصرى الذى ليس له فى الطائفية ولا العقائدية، واستطاع أن ينتبه للمخطط الشيطانى مبكرًا واتحد مع جيشه الذى تصدى للميليشيات التى لم تجد حضانة شعبية تندمج فى وسطها، وهذا هو الفرق بين مصر التى تثق فى جيشها وبين البلاد الأخرى التى تنخدع بالادعاءات وتسلم ذهنها للأغراب ولأن مصر شوكة فى حلق أهل الشر فليس أمامهم سلاح سوى الإيقاع بين شعبها وجيشها حتى يجدوا منفذًا للسيطرة علينا من جديد.
وانظر حولك أيها المواطن الواعى ستجد أن إسرائيل نجحت فى التخلص من الذين كانوا يشكلون جبهة طوفان الأقصى وتجهز نفسها حاليًا لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء ومن الضفة إلى الأردن. يرجى الانتباه جيدًا لأن المعركة مع مصر فى بدايتها لتنفيذ مخطط التهجير، غزة كانت البداية إنما مصر هى النهاية، والأحمق هو الذى يلدغ من جُحر مرتين وغير مقبول مجرد التفكير فى أى ادعاء كاذب للإيقاع بيننا وبين درعنا الذى يحمينا، لأن الأعادى فى انتظار لحظة الانقضاض.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
التعليقات