اشتُهر الشاعر محمد برهام بلقب "شيخ شعراء الإسكندرية" في زمانه، على الرغم من أنه لم يكن من أبنائها، فهو من مواليد قرية ديسط التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية عام 1909، ولكنه عاش واستقرَّ وعمل بالتربية والتعليم مدرسًا للغة العربية، فمديرًا لإحدى المدارس الثانوية بالإسكندرية، فمنحته الإسكندرية هذا اللقب ربما بحكم السن، ورحل عام 1994.
وقد أصدر محمد المرسي برهام ديوانَه الشعري الأول بعنوان "الشموع" عام 1971، وديوانه الشعري الثاني بعنوان "القيثار" عام 1989 الذي نحسُّ بأن قصائده تنتمي إلى مدرسة "الديوان" العقاديَّة أكثر من انتمائه إلى مدارس الشعر الأخرى التي ظهرت في العصر الشعري الذي عايشه الشاعر في أيام شبابه مثل مدرسة أبوللو، ومدرسة المهجر، وإن كنا نحسُّ بأن هاتين المدرستين تركتا آثارًا شعرية ملموسة على بعض قصائده مثل قصيدة "لستُ أدري"، وقصيدة "كُنْ جميلا"، وقصيدة "القمر".
على إننا من خلال قراءتنا لقصائد الديوان الست والعشرين، نلاحظ أن هناك عدة جمل شعرية تُبرز الشخصية المرحة لهذا الشاعر، وهذه الجمل أو هذه الأبيات الشعرية من السهل على القارئ استخلاصها من بين ثنايا قصائد الديوان لتضعنا أمام معجم شعري قلَّ وجوده لدى شعرائنا المعاصرين، حيث يلاحظ أن المعجم الشعري المعاصر امتلأ بكلمات عن القلق والتوتر والخيانة والهروب والانشطار الذاتي والشمس الغاربة والقمر المظلم، وما إلى ذلك.
أما عند محمد برهام فالأمر يختلف حيث نلاحظ أن مفردات الشاعر تدور حول السعادة والمرح والدعابة والنكتة والجمال والابتسام والضياء والسرور، وليس أدل على ذلك من وصفه لنفسه بأنه "شاعر مرح". ففي قصيدة "وردتي" يحذر محبوبته من الشوك الذي يدمي البنان إذا داعب خديها، ثم يعود فيقول لها، إنه لا يقصد ذلك، لأنه شاعر مرح.
إن جملة "إني شاعر مرح" هي مفتاح ديوان "القيثار" للشاعر محمد برهام.
وليس معنى ذلك أن الشاعر يتخلَّى عن قضايا وهموم عصره التي أخذ منها معظم الشعراء موقفًا سلبيًّا بالرفض والهجوم والإنكار، ولكن محمد برهام له أسلوبه في معالجة مثل هذه القضايا والهموم، ويتمثل هذا الأسلوب في مجابهة المشكلات بابتسامة ورحابة صدر ورجاحة عقل، وهو يتمثل قول الشاعر "كُن جميلا تر الوجود جميلا" في معظم قصائده، بل إنه يسمى إحدى قصائده بـ "كُن جميلا".
إن أسلوب الشاعر المرح يجعله أحيانًا يصنعُ أبياتًا شعرية بها شيءٌ من الطرافة والدعابة، ويجعله يُحيل المأثور الشعبي الفكاهي إلى صياغة شعرية جديدة لم يسبقه أحد من الشعراء إليها.
فعندما يتحدث مثلا عن سيناء التي حُررت في شهر أبريل 1982، ونحتفل بتحريرها يوم 25 أبريل من كل عام، يتبادر إلى ذهنه ما عرف من المأثور الشعبي بـ "كذبة أبريل" فيقول:
أسيء ظنٌّ بنيسان ففاجأنا ** وكان أحلى المنى من صُنع "نيسانا"
إن كان أبريل مشهورًا بكذبتِه ** فأنه قد يقولُ الحقُّ أحيانا
وهو يكثر من الأبيات الدالة على الضحك والمرح والأنس والابتهاج مثل قوله:
جوٌّ ضحوكٌ ترى فيه رفاهتها ** الروحُ والبدنُ المكدودُ والحدقُ
أثار عتبا فقالت في مؤانسة: ** هيَّا لإيقاعِ هذا الجوِّ نستبقُ
ومثل:
ومضيتُ مبتهجًا بحملِ مظلتي ** وأهدهدُ الأنواءَ والأثقالا
ولعل أسلوب الشاعر يتضح كاملا في قصيدته / القصة "علبة الكبريت" التي قال عنها الكاتب الكبير ثروت أباظة في تقديمه للديوان "إنها من أجمل اللفتات الشعرية في الشعر قاطبة". وأيضا يتضح هذا الأسلوب في قصيدته الإنسانية الرائعة عن قطته "بتشونة".
التعليقات