حين أتى إلى العالم قدوس الله وحَمَله الوديع السيد المسيح له كل المجد أشرقت فينا الحواس المضيئة والأفكار النورانية، لقد أضاء علينا بنور علمه الإلهى وجعلنا بنى النور وبنى النهار لكى نجوز كل أيام حياتنا ببر وطهارة وتدبير حسن ونُكمل أعمارنا بلا عثرات وإنما بالنعمة والرأفات ومحبة البشر، أنار عقولنا وقلوبنا وأفهامنا بكلماته المقدسة، خلصنا من الغواية وعتقنا من طلقات الموت وأعطانا روح البنوة وعلمنا طرقه، وجميع طرقه رحمة وحق لحافظى عهده وشهاداته، هو الذى ذكر قول (لا تخف) ٣٦٥ مرة فى الكتاب المقدس بعدد أيام السنة حتى تطمئن النفوس، لأنه يوجد رجاء، ولا تخشى سوءا، لأنه يحفظنا من كل حزن ردىء ووجع قلب، ويهدينا إلى السكينة والسلام، وفى يوم ميلاده المجيد لابد وأن نتذكر أقواله المقدسة، فهى دليلنا فى العتمة وقنديلنا فى الظلام، فكيف نلجأ إلى غيره وهو الذى قال:
«اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له»، وما الذى يمكن أن يقلقنا وهو الذى قال: «وأعوض لكم عن السنين التى أكلها الجراد وأعطيكم جمالًا عوضًا عن الرماد ودهن فرح عوضًا عن النوح ورداءً تسبح عوضًا عن الروح اليائسة»، ولماذا نفكر فى الفشل وهو الذى قال: «لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح»، وكيف نضعف وهو الذى قال: «تشددوا وتشجعوا لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم لأن الرب إلهك سائر معك لا يهملك ولا يتركك»، ولماذا نخاف وهو الذى قال: «لا تخافوا»، «إن كان الله معنا فمن علينا» وإلى متى نسلم إلى الضيق نفوسنا وهو الذى قال: «ويقودك الرب من وجه الضيق إلى رحب لا حصر فيه»، «إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقًا» ولماذا نخشى المواجهات وهو الذى قال: «فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى أنا معك لأخلصك وأنقذك»، ولماذا الحيرة فى أمورنا وهو الذى قال: «أعلمك وأرشدك الطريق التى تسلكها، أنصحك عينى عليك، ويقودك الرب على الدوام، ويشبع فى الجدوب نفسك، وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه»، ومن أين لنا أن نعتمد على أنفسنا ونتكل على طاقاتنا وهو الذى قال: «لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحى قال رب الجنود»، «توكل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد، فى كل طرقك اعرفه، وهو يقوم سبلك»، ولماذا نشكو من أحوالنا وهو الذى قال: «لأنه من يمسكم يمس حدقة عينى»، «وكل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله»، وإلى أين تأخذنا شجوننا وهو الذى قال: «سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجرى ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة، انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذى ينجح فى طريقه، من الرجل المجرى مكايد»، ماذا يهمنا وهو الذى قال «لا تهتموا ب، بل فى كل بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله»، ماذا يعوزنا وهو الذى قال: «كل ما تطلبونه فى الصلاة مؤمنين تنالونه»، وهل يستحيل على الرب شىء وهو الذى قال: «هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شىء مستطاع للمؤمن»، أمن الجائز أن نطرق كل الأبواب إلا بابه وهو الذى قال: «الذى أمسكت بيمنه لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق»، وأكد على قوله بقول آخر أكثر تأكيدًا إذ قال «قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحد أن يغلقه»، ولماذا نتعجل فى الحكم والتفنيد وهو الذى قال: «إذا لا تحكموا فى شىء قبل الوقت حتى يأتى الرب الذى ينير خفايا الظلام» وزادنا إيمانًا بقوله «لكل أمر تحت السماء وقت» و«نهاية أمر خير من بدايته». ومع ذلك ورغم كل التأكيدات بالآيات لا نطيق الانتظار رغم أنه قال: «جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب».
كما طمأننا وقال: «إن توانت فانتظرها لأنها ستأتى إتيانًا ولا تتأخر»، وكم من المرات تحسب حساب القادم ولا نلتفت لما قاله: «بركة الرب هى تغنى ولا يزيد معها تعبًا»، ورغم أن عيوننا تتطلع دائمًا إلى القادم لكننا لا نزال متمسكين بالماضى العتيق، مع أنه قال: «ها أنا أصنع كل شىء جديدًا»، «إن الذى أنا فاعله معك رهيب»، إلى متى تشك فى حقائقه وهو الذى قال: «لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد»، ولماذا لا تثبت على قوله: «أما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى»، إلى متى نتوارى بعيدًا عنه منشغلين بأحوالنا وهو الذى قال: «تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين وثقيلى الأحمال وأنا أريكم»، هل من المنطق أن ننكر ما بداخلنا وهو الذى قال: «ويكون أنى قبلما يدعون أنا أجيب، وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع»، لقد أكد علينا مرارًا كثيرة حتى نهدأ ونطمئن ونثق فيه إذ قال: «أما رحمتى فلا أنزعها عنهم ولا أكذب من جهة أمانتى ولا أنقض عهدى ولا أغير ما خرج من شفتى»، «أما إحسانى لا يزول عنهم وعهد سلامى لا يتزعزع». هل يعقل بعد كل هذا أن نحزن وننسى قوله: «فلا تكون إلاّ فرحا»، لقد وعدنى الله كما وعدكم، ووعده حق وأمين إذ قال: «كل ما تتمناه منى أفعله لك».
التعليقات