في محراب العلاقات الإنسانية، تتجلى سُنّة كونية راسخة: أن الروابط بين البشر تقوم على معادلة دقيقة من الأخذ والعطاء، كنهرٍ لا يفيض إلا حين تغذيه روافده.
فالعلاقة كائنٌ نابض، لا يستقيم نموه في صحراء الجمود، ولا يزدهر في فراغ الأنانية.
حتى في أنقى صور العلاقات وأسماها - علاقة الأم بأبنائها - تلك التي غُرست في القلب غريزةً وفطرة، نجد أن نهر العطاء، مهما بدا فياضاً، يحتاج إلى روافد تُغذيه.
فالأم، في خضم بذلها اللامتناهي، تظل روحها متعطشة لقطرات من الحب، للمسات من العرفان، لهمسات تؤكد أن تضحياتها ليست صدىً يتردد في واد سحيق.
لكن المأساة تتجلى حين يختل هذا الميزان الدقيق، فيصير أحد الطرفين نبعاً لا ينضب عطاؤه، والآخر صحراء لا ترتوي. سواء كان السبب أنانية متجذرة، أو إفراطاً في حب الذات، أو عجزاً عن التضحية حتى في أبسط الأمور، فالنتيجة واحدة: يتصدع جدار العلاقة، وينضب نهر العطاء، وتتحول الروابط إلى أطلال تشهد على ما كان.
فالحقيقة الجلية أن موازين العلاقات لا تستقيم إلا بالتوازن: فلا القلب يستطيع أن يعطي إلى ما لا نهاية دون أن ينضب، ولا الروح تستطيع أن تأخذ دوماً دون أن تتصدع. والعلاقة التي تفتقد هذا التوازن الدقيق محكومة بالذبول، مهما طال الزمن وتعددت التضحيات.
التعليقات