زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى إسبانيا تمثل نقلة نوعية غير مسبوقة فى علاقات الدولتين، وجاءت في توقيت بالغ الأهمية.
وذلك لعدة أسباب، على رأسها أنها تأتى فى مرحلة مفصلية فى تاريخ منطقة الشرق الأوسط، نظرا لما يجرى فى غزة، وتداعيات حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطينى، وبدء فصل جديد من التعاون والشراكة الاقتصادية بين البلدين.
ومصر وأسبانيا تجمعهما منذ عقود علاقات تعاون وصداقة تتسم بالعمق وتوافق الرؤى، خاصة فيما يتعلق بتعزيز التنسيق بين دول جنوب المتوسط وشماله، في ضوء ما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط من تحديات نتيجة الأزمات القائمة فى عدد من دول المنطقة.
تجسيداً لمتانة العلاقات الثنائية واتساع دائرة التشاور والتنسيق السياسى بين الحكومتين فيما يخص القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
الرئيس السيسي كان حاسما واضحا وصريحا خلال لقاءاته مع ملك ورئيس حكومة إسبانيا، بالتأكيد علي موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ورفضها الحاسم لتهجير الفلسطينيين، وضرورة تنفيذ وقف النار بغزة، وإحياء السلام ورفض انتهاكات إسرائيل للسيادة السورية والمطالبة بانسحابها الكامل من لبنان.
زيارة الرئيس السيسي إلى مدريد حملت رسائل واضحة بتأكيد ملك أسبانيا فيليب السادس ومصر حليف استراتيجي لمدريد فى الشرق الأوسط ودولة محورية بإفريقيا"، وأن "مصر أم الدنيا " وغنية جدا بثقافتها.
كما تضمنت الرسائل توافق الرؤى بين الرئيس السيسي ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بدعم إسبانيا للقضية الفلسطينية، خاصة بعد قرارها التاريخي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والرفض القاطع لمخططات التهجير القسري للفلسطينيين، وتأييده للخطة المصرية إعادة إعمار القطاع وحل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية.
وزيارة الرئيس السيسي لإسبانيا بتوقيع وثيقة ترفيع العلاقات لمستوى "الشراكة الإستراتيجية"، وتوقيع مذكرات تفاهم فى الصناعة والتجارة والسياحة والهجرة والبنية التحتية والنقل وتعزيز السلام والتنمية بإفريقيا، بالإضافة إلى التسهيلات التي أعطيت للشركات الإسبانية لزيادة استثماراتها بمصر خلال لقاء الرئيس السيسي مع ممثلي مجتمع الأعمال ورؤساء كبرى الشركات الإسبانية، وتعزيز التعاون فى الصناعة بين البلدين.
وشهدت العلاقات المصرية الإسبانية تطورا ملحوظا في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والتجاري، حيث تعد إسبانيا من الشركاء التجاريين البارزين لمصر، حيث يتم تبادل العديد من المنتجات والسلع بين البلدين. كما يوجد تعاون ملموس في مجالات النقل، الطاقة المتجددة، الزراعة، والسياحة.
ويلعب مجلس الأعمال المصري الإسباني المشترك دورا حيويا في تعزيز هذه العلاقات، من خلال جمع القطاع الخاص والأطراف المعنية، مما يسهم في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين.
وتحرص القاهرة ومدريد على تعزيز التشاور والتنسيق المستمر بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل مكافحة الإرهاب، الهجرة غير الشرعية، ودعم الاستقرار في منطقة البحر المتوسط، تعكس هذه الجهود التزام البلدين بتعميق العلاقات الثنائية والعمل المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
واللقاء يعكس حرص الدولة المصرية على تطوير الصناعات البحرية وتوطينها، بما يتماشى مع استراتيجية مصر لتصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً للصناعات البحرية وخدماتها
ومصر تمتلك مقومات كبيرة تؤهلها لتحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل التطورات الكبيرة التي تشهدها البنية التحتية للموانئ البحرية المصرية، مثل ميناء الإسكندرية وميناء الدخيلة وميناء شرق بورسعيد، بالإضافة إلى المشروعات العملاقة التي يتم تنفيذها في منطقة قناة السويس.
وتطوير الأسطول البحري المصري يعد أحد الركائز الأساسية لتعزيز الاقتصاد الوطني، حيث يساهم في دعم حركة التجارة الدولية وزيادة الصادرات المصرية، فضلاً عن تعزيز الأمن القومي من خلال تأمين الحدود البحرية.
الدولة المصرية تبذل جهوداً كبيرة لتطوير الموانئ البحرية وزيادة قدرتها التنافسية، من خلال تحديث البنية التحتية وتوفير الخدمات اللوجستية المتطورة، مما يجعلها وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية.
وهذه الجهود تأتي في إطار رؤية مصر 2030، التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة مصر كمركز لوجستي وتجاري عالمي.
والمباحثات بين الجانبين ركزت على التعاون الاقتصادي والاستثماري، في مجالات الطاقة المتجددة، البنية التحتية، والنقل، مما يسهم في دفع عجلة التنمية في مصر وفتح آفاق جديدة لفرص العمل.
والزيارة تمثل حجر زاوية في ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين مصر وإسبانيا، وخطوة استراتيجية لتعزيز التعاون والشراكة الدولية، داعية إلى استمرار التنسيق والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين ويعزز الأمن والاستقرار الإقليمي.
ومصر تدرك جيدا أن اشتعال الأوضاع في المنطقة قد يؤدي إلى موجات جديدة من عدم الاستقرار، وهو ما قد ينعكس سلبا على الأمن والاقتصاد الدوليين لأن الأزمة الفلسطينية ليست مجرد قضية إقليمية، بل هي قضية ذات أبعاد عالمية تؤثر على ميزان القوى في العالم، وعلى استقرار أسواق الطاقة وحركة التجارة الدولية، خصوصًا مع موقع مصر الحيوي الذي يربط بين قارات العالم.
الرئيس السيسي، من خلال زيارته إلى إسبانيا، يسعى إلى توضيح موقف مصر القائم على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل، ورفض أي إجراءات أحادية تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني كما أن هذه الزيارة تسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة ومدريد في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والاستثماري.
وتحركات مصر الدبلوماسية تعكس دورها المحوري في استقرار المنطقة، وأن نجاح هذه الجهود يعتمد على تفاعل القوى الدولية مع رؤية مصر للحل، والتي تنطلق من مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، لضمان سلام دائم يخدم شعوب المنطقة والعالم.
التعليقات