واحدة من حقائق الدنيا المنسية أو المتغافل عنها أننا لا نملك شيء. لا نملك شيء تعني أنه لس لديك حق التملك بل الانتفاع فقط بكل ما وهبك الله.
لو بحثت عن أي شيء بسيط أو ثمين يقع من ضمن ملكيتك ستجد في حقيقة الأمر أنك لا تمتلكه بالفعل مادمت لا تستطيع أن تأخذه خارج حدود الكرة الأرضية فهو ليس ملك لك.
ما يتركك.. تتركه..
قاعدة بسيطة لو طبقتها في حياتك سترى الحياة بمنظور مختلف، سيكون لسعيك دلالة وهدف، لن تخاف، لن يؤرقك اختفاء النعم.. ولن يسعدك بشدة معاودة ظهورها.
صديقي.. تتلخص مقالة اليوم في بضع كلمات. اجعل الدنيا في يدك وليس في قلبك!
مادمت منتَفِع ولست مُتَمَلِك، فلا تتعلق بما ليس لك. كل ما أوتيت من نعم في دنيتك هي "زيارة" كالتي يأتي بها أبناء الريف لأهلهم في المدينة.
تغيرت الدنيا حولنا جميعا تقدمنا في العمر ففقدت الأحلام بريقها، ليس سوى لأن القناعات تغيرت. أصبحت أرى الدنيا من زاوية مختلفة.
أدرك اليوم أنه لا أحد يعيش في سعادة، فالسعادة شعور وليس حالة تعيش فيها. السعادة هي الزائر العزيز الذي لا يطيل البقاء.
لست أبحث عن السعادة، ولا مسبباتها، أبحث عن يوم عادي أعيش كل لحظاته، يوم احتك فيه بالناس، أخالطهم وأصبر عليهم وأدعوا لهم. أبحث عن سنوات أقضيها في العمران، عن حياة عمادها الوفاء، عن تفاصيل لا تتخللها الحسابات، عن ساعات أقضيها مع أحدهم وأنا مطمئنة، وعن صحبة حساباتهم المحبة والدفء والأمان اليسير.
أدركت اليوم أن أحلام شبابي وإن تحققت لم تكن يوما أحد مسببات السعادة، بل الطريق الذي قطعته طويلا للوصول كان الأهم والأبقى أثرا في نفسي من حلاوة الوصول لنهايته.
لهذا يا صديقي لن نأخذ معنا ما نمتلك، فنحن لا نمتلك.. نحن ننتفع.. ثم نترك ونغادر محملين بدفء عطايا القلب وسنوات عامرة في قلوب المحبين.
لا أعرف سوى لغة القلوب وهي لا تكلف بذل مادي قد لا يمتلكه الجميع، لكنك تتعلم من خلالها كيف تطمس ضوضاء الشعور ليطمئن في حضورك الجميع.
لست في حاجة إلى شقة تمليك لتكون سعيد، من يعيشون في بيوت إيجار يعرفون جهد البقاء بخير.
ما يتركك.. تتركه
يمكن لِمَالك أن يزول.. أن تخسره في استثمار.. في سيارة قد تضيع في حادثة.. في عقار يسقط مع زلزال.. في أرض زراعية تنزع ملكيتها لأنها كانت وضع يد.. في شاليه تكره البقاء فيه..
كل الصور المادية للحياة عمياء، وحده الحب القائم على إعمال العقل هو ما يسبب لك الاطمئنان.
أريد أن أكون مطمئنة، أن أرى الخير في قلوب سكنت روحي بمودة، أن أشعر بقيمتي بين قلوب أحبابي، وأن يكون دفء قلبي هو ميراثي الذي أتركه لمن يخلفني.
لهذا يا صديقي لا تبحث عن السعادة بل اجتهد كي تكون مطمئنا.
واحدة من الفوائد التي عادت علي عندما ربيت قط في المنزل، أني وجدت سلوكه الطيب وهو يعيش في الشارع لم يتغير عندما اطمئن في بيتي. القط كان طبعه رحيما وكان يترك الطعام لقط آخر جائع أكثر منه، وعندما منّ الله عليه بأمن المعيشة أتى ليعيش بيننا بنفس خصاله الودودة المُحِبة.
هذا ما كنت أعنيه أنك تنتفع ولا تمتلك.
كن نفس طيبة أينما كنت فهذه هي التركة الوحيدة التي يمكنك أن تأخذها معك وقت خروجك من الأرض.
اجعل أطماعك في الدنيا إيجابية.
أجر بيتا ولا تؤجر قلبا. يمكنك أن تتصدق ببعض مالك فهو يعود إليك دوما، لكن يا صديقي هب قلبك كاملا فإن أصاب الصحبة الطيبة تكون قد ربحت ما تتركه خلفك وتاخذه معك اينما شئت.
التعليقات