سقطت قطرة واحدة من الحبر على قميصه الأبيض، ارتبك بشدة وأتى بكل ما يستطيعه لإزالتها .. ثم ضحك كل من حوله كيف تدفعه قطرة واحدة من الحبر للجنون وقميصه ممتلئ بالبقع؟
هذا حال الكثيرين ممن اعتاد الألم والتذمر، ثم تأتي قشة ما ربما غير مقصودة حملها ريح خفي تُبَعْثِر سنوات التصنع والمجاهدة.
فهل العيب في الحبر والبقع أم الريح والقشة؟
العيب الوحيد دائما في الذكرى المظلمة التي تحافظ عليها إرثا مصونا داخل حنايا قلبك المتهرئ وهي أكثر ما يضعفك .
يجيد الكثير منا إعادة تدوير المشاعر بما يخدم قلبه وحواسه واحتياجه. بعض البؤساء لا يعرفون، يقفون دوما أمام محطات القدر عاجزين، لا مناب لهم سوى ألم الذكرى واستحالة التغيير.
لا قيمة في نظري لتجميل المباني المتواضعة الصنع، مجرد طلائها باللون الأبيض لا يُظهِر سوى عيوب البناء الرخيص والبذل المتواضع. أعِد بناء بيتك من جديد.
كنت أتمنى أن احتفظ بحق محو بعض الأشخاص والمواقف والذكريات لتبقى حديقة القلب وارفة الظلال ريحها مريح وظلها متواصل بين الدفء والاطمئنان.
على ما يبدو أن النفق الذي يصل بنا للطريق يرتسم على جدرانه وجوه الغادرين، تخطاه وكن من المغادرين.
بعض الأشجار تُكَوِن أحراش وتضفي القبح عوضا عن الحياة، هنا يأتي دورك!
إن البستان يا صديقي لا يطلق عليه بستان إلا بعد عشرات السنوات من الكد.
فإذا كنت المزارع الواعي ستتعلم أفضل مواعيد الري .. الصبر والجلد لإزالة الحشائش التي تملأ أرضك بالنبات الضار .. ستعلمك الحياة أفضل مواعيد إضافة الأسمدة .. وتجبرك في الكثير من الأوقات على استخدام مبيدات الرحمة لتُبقي على الصالح في أرضك.
في عالم النباتات هناك بعض مبيدات الحشائش التي يطلق عليها مبيد إختياري – جهازي selective systemic herbicide تستطيع أن تقتل الحشائش دون أن تؤثر على النجيل أو القمح المنزرع فتمنحك البساط الجيد والنبات الأخضر العَفيّ.
فهل تستطيع يا سيدي أن تقاوم العفن المترسب في قلبك بنفس الكيفية؟
من قال لك أن عجلات الرحلة تستمر في الدوران؟ أنت من يقوم في كل صباح بإدارة العجلات ودفع الجهد ليتحرك بك القطار، أنت من يُفَعِّل الارادة على وضع الاختيار، وأنت من يزرع مصدات الرياح على أطراف البستان لتحمي بقاء الثمار.
بذل الجهد اختيار واختبار!!
مصطلح selective memory أو الذاكرة الاختيارية هو ما يزيل بقع الحبر فيمحو عنك وحل الطريق ويجدد الاستطاعة .. فتسقط عنك أحزانك أو تتجاوزها ..
لكل داء دواء إلا تعفن القلب وتجمد الدماء بداخله، تتسبب في نمو الحشائش ليتحول البستان لأحراش فتفتقد الثمر وتذروك رياح الحر فتجدب الأرض والأمل بداخلك.
لا تسأل الحياة هل يمكن أن يكون يومي أسوأ من هذا، بل دعها تتأكد أنها لا تستطيع إيقافك!
لا أحد يولد فاشلا أو ناجحا، بل أنت وحدك من يحدد من تكون.
إذا كان لديك ساعتين لتزرع شجرة ما، فستحتاج الساعة الأولى لكي تشحذ فأسك.
التميز عادة والمثابرة خُلُق والنجاح نتيجة أما الفشل فهو أول خطوات تحفيز الاستمرار.
في النهاية يهمني أن أجيب عن سؤال وضعته في أعلى المقال لماذا ليس لنا الحق في محو الأشياء من دنيانا؟ لأن الذاكرة يجب أن تكون لها إرادة طوعية.
يجب أن تمنح لنفسك حق الحياة وحق السعادة وحق العيش وحلو الإقامة. يجب أن تتذوق ثمارا صنعها جهدك.
أن ترتشف مياه نقية من بئر انخلع كتفك وأنت تحفره؛ هو ما يمنحك القوة اللازمة للتصدي لكل من يحاول أن يقترب أو يهيل التراب ليعكر صفو مائك.
عندما تجتذب السعي ينفتح الطريق، كل ما عليك أن تنفض عنك غبار اليأس وأن تكون من عُمّار القلوب.
نحن نُرزق بنوايانا وننهل من كرم الله.
الانتظار يجعلك تحصل أحيانا على بعض الأشياء الجميلة، أما الكد يا صديقي يجعلك تنال كل الأشياء العظيمة الممكنة .. هنالك تكتشف لماذا كانت الإرادة اختيار.
التعليقات