يسوع المسيح.. له كل المجد، المولود من نور قبل كل الدهور، هو رسول المحبة والسلام، الذى لم يكن لديه عبيد، لكنهم دعوه «سيد»، الذى لم يحصل على شهادات علمية، لكنهم قالوا له «يا معلم»، الذى لم يُجرِ جراحات ولم يستخدم أدوية، لكنهم قالوا عنه «الطبيب الشافى»، الذى لم يملك جيشًا، لكن ملوك الأرض خشوه، الذى لم يشهر سلاحًا فى وجه أحد، لكنه غزا العالم.
الذى لم يرتكب جريمة فى حق مخلوق، لكنهم صلبوه حاملًا خطايا الأمم، الذى فدانا بروحه الطاهرة، ودعانا للخلاص قائلًا:
«طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات؛
طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون؛
طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض؛
طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون؛
طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون؛
طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله؛
طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون؛
طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى كاذبين، افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم فى السماوات؛ سيخرجونكم من المجامع، بل تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله.
أما أنتم؛ فأحبوا أعداءكم؛ باركوا لاعنيكم؛ أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم. فهذه هى وصيتى».
ورفع عينه نحو السماء، وقال: «أيها الآب، العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته، والآن مجدنى عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم».
ووقتها كان رؤساء الكهنة يريدون قتله، فدخل الشيطان فى قلب يهوذا الإسخريوطى، أحد تلاميذه، واتفق معهم أن يسلمه إليهم مقابل ثلاثين من الفضة، ثم أخذ الجند وخدامًا من الفريسيين، وذهب إلى بستان جثسمانى بمشاعل وسلاح، حيث كان يسوع مجتمعًا مع تلاميذه.
فخرج يسوع، وهو عالم بكل ما يأتى عليه، وقال: «كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى، إذ كنت معكم كل يوم فى الهيكل لم تمدوا علىّ الأيادى، ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة».
فقبضوا عليه، وحاكموه أمام مجمعهم، ثم أرسلوه إلى بيلاطس البنطى بدار الولاية، قائلين: إننا وجدنا هذا يفسد الأمة.
فقال له بيلاطس: أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلىّ، ماذا فعلت؟
فأجابه يسوع: قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق، وكل من هو من الحق يسمع صوتى.
فدعا بيلاطس المشتكين عليه، وقال: «لم أجد فيه علة واحدة تستحق الموت، فأنا أؤدبه وأطلقه».
فكانوا يصرخون: «اصلبه»، وكان مضطرًا أن يطلق لهم كل عيد واحدًا من السجناء.
فازدادوا صراخًا: «خذ هذا، وأطلق لنا باراباس»، الذى طُرح فى السجن لأجل فتنة وقتل.
ولما قويت أصواتهم، استجاب لطلبهم، وأطلق لهم الظالم، وأسلم يسوع المظلوم لمشيئتهم.
فجلدوه، وضفر العسكر إكليلًا من الشوك على رأسه، وخرج حاملًا صليبه فى طريق الآلام، قائلًا: «يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».
ومن الساعة السادسة حتى التاسعة، كانت ظلمة على الأرض كلها، ثم نادى بصوت عظيم: «يا أبتاه، فى يديك أستودع روحي»، فأظلمت الشمس، وانشق حجاب الهيكل من وسطه، وتزلزلت الأرض، وتشققت الصخور، وتفتحت القبور، وقام كثيرون من القديسين الراقدين.
ولما كان المساء، طلب يوسف الرامى، تلميذ يسوع، جسده الطاهر، ولفه بكتان نقى، ووضعه فى قبر جديد.
وفى الغد، اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس، قائلين: «قد تذكرنا أن يسوع قال وهو حى، إنه بعد ثلاثة أيام يقوم، فمرّ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتى تلاميذه ليلًا ويسرقوه، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأولى».
فمضوا، وضبطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر.
وعند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر، وإذا زلزلة عظيمة حدثت، وملاك الرب نزل من السماء، ودحرج الحجر عن الباب.
فمن خوفه، ارتعد الحراس وصاروا كالأموات، وقال الملاك للمرأتين: «لا تخافا، أنتما تطلبان يسوع المصلوب. هو قام من الأموات، كما قال. اذهبا وقولا لتلاميذه: ها هو يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه حيًّا».
فيما هما منطلقتان، لاقاهما يسوع، وقال: «سلام لكما»، فسجدتا له.
فذهب الحراس، وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما رأوه، فتشاور الشيوخ، وأعطوا العسكر فضة كثيرة، ليقولوا: إن تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه.
فأخذوا الفضة، وفعلوا ذلك، وشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم.
واليوم جمعته العظيمة، وغدًا ليلة عيد قيامته، التى يحتفى بها ثلاثة مليارات مسيحى حول العالم.
يا رب، تقبل صومنا وصلواتنا، واحفظنا وبارك لنا.. آمين.
التعليقات