تعترضنى نوبات من الاكتئاب بين الحين والآخر وأقاومها بكثرة الانشغالات والالتزامات، بل وأتكيف قدر المستطاع مع الأوضاع التى تُفرض علىَّ وتلك التى أتمناها وتتأخر، وكثيرًا ما أتعطش للشغف لكنى أساير الاعتياد رغبة فى المواصلة والتعايش السلمى والشكر على نعمة أنى وأحبَّتى بخير وبركة من عند الله، ومسايرة الاعتياد وصلت إلى درجة أنى اعتدت الوحدة وصادقتها ولم يعد يهمنى قلة الاتصال وانعدام التنزه، فقد أصبحت الرفاهية بالنسبة لى هى دوام الطمأنينة والسكينة والهدوء أملًا فى الاستقرار واستبشارًا بأن القادم مفرح يفوق كل التصورات.
ولا أنكر أنى خلال هذه النوبات القاتمة ألجأ لمرشد روحى يقوى إيمانى حتى لا أفقد رجائى، كما أستعين بمرشد نفسى يُنهض عزيمتى حتى لا يغمرنى الإحباط. ومن بين هؤلاء المرشدين يتصدر اسم الدكتور ميلاد موسى، مؤسس المركز الهولندى للتنمية البشرية بهولندا والحائز على وسام المملكة لجهوده فى هذا المجال، وهو مستمع جيد وأمين فى نصائحه وقد بعث لى برسالة صباحية هذا نصها، وأنا اليوم أشاركها معكم علها تفيد من يترجى المعونة ويأمل فى التغيير... كتب يقول:
«فى داخل كل منا حديقة هى أفكاره، بها كل الحلول التى يحتاجها لمواجهة تحديات الحياة، لكن السرعة فى التوجه التى نقضى بها حياتنا فى هذا العصر تجعلنا غافلين عن هذه الحديقة الغنَّاء ولا نعطيها الرعاية الكافية، ونتيجة لذلك تتكون داخلها أعشاب ضارة لفترة طويلة تغلق أمامنا الطريق إلى القلب، إن أهم ما نحتاجه اليوم حقًا هو البحث عن بصيرة القلب وهى الحكمة داخلنا، لأن المعلومات لا تساوى المعرفة، والمعرفة لا تساوى الفهم، والفهم لا يساوى الحكمة، مع الأسف نحن نعيش كما لو كنا نبحث عن كنز الحلول لمشاكلنا فى الصحراء، بينما هو يكمن داخلنا.
إن جميع المشكلات التى تواجهها البشرية هى تنبع من عدم استطاعة الإنسان الانفراد بنفسه والجلوس فى غرفة بهدوء أو الالتحام بالطبيعة لكى يتواصل مع ذاته مع كنز الحلول داخله، فإذا تعلمنا التأمل نستطيع التواصل مع ذواتنا مما يسمح للحياة بأن تنبع من داخلنا باتجاه الخارج، نحن نحتاج أن نستخدم كل حواسنا لكى نسعد بحياتنا، حتى إن حُرمنا من إحداها فإن هناك حاسة داخلية قوية تسمى الحدس، وليس التفكير فهناك فرق، الحدس هو الذى يفتح أبواب كنز الحكمة الداخلية، فعندما يتحدث صوتك الداخلى، توقف والتزم الصمت وأصغِ جيدًا، لأنها قد تكون لحظات فارقة فى حياتك.
هناك ثلاثة أنواع من المعرفة، الرأى والعلم والتنوير، والوسيلة للوصول إلى الأول هى العقل، أما الوصول إلى الثانى فسيكون عن طريق المناقشة، لكن الوصول إلى التنوير فيكون بالحدس، من مزايا الإنترنت أنه جعل التوصل للرأى والعلم سهلاً ومتاحًا، لكنه أخذنا بعيدًا عن التنوير، والحقيقية المؤكدة هى أن هواتفنا الذكية تسد أمامنا طريق الوصول إلى الحكمة، بالإضافة إلى أن الإسراع فى كل شىء له تأثير غير إيجابى على الصحة النفسية والجسدية، وإذا صادفتنا أوقات فراغ لابد وأن تُملأ بكل ما يفيد صالحنا، فأثناء الراحة وهدوء العقل نستقبل الحكمة بكل براح، إن الحدس هو مرشد الروح، ويظهر للإنسان بصورة طبيعية خلال تلك اللحظات، التى يكون فيها العقل هادئًا ومتأملًا، أن البشر فى الريف الهندى لا يستخدمون فكرهم كما نفعل نحن، إنهم يستخدمون حدسهم بدلاً من التفكير وهذا أكثر تطورًا.
لأن الحدس أقوى كثيرًا من التفكير، الحدس يساعدنا على التركيز، وتركيزنا الذهنى هو بمثابة الصلصال الذى نشكل بواسطته أيامنا، إن ما يشغل تركيزك هو ما تصبح عليه، وما تركز عليه هو ما يأتيك، لذا عليك أن تتمسك فى عقلك بما تريد المزيد منه. إننا بتقدير قيمة إبطاء السرعة وتعميم الهدوء وتخصيص وقت للتأمل والتواصل الداخلى مع حدسنا سوف نستمتع بحياتنا ونجد حلولاً لكل التحديات، وتكون أيامنا جميلة بنعمة ربنا وبركته علينا، لابد أن يتأكد الجميع أن كنوزنا الحقيقية داخلنا، والأمر لا يحتاج إلى تنقيب، يكفى أن ننفرد بأنفسنا ونسمح للحكمة بأن تسود».
التعليقات