فى أواخر هذا الشهر يتم الاحتفاء بعيد الإعلاميين، ويعز علىّ الاحتفاء فى غياب أبرز إعلاميّى مصر، الإذاعية اللامعة آمال العمدة، والمحاور الكبير مفيد فوزى، رغم أن حضورهما دائم على مواقع التواصل الاجتماعى من خلال فيديوهات بالصوت والصورة تكلل مشوارهما الإبداعى الطويل، ولا أنكر أنى أشتاق لرؤية وسماع تاريخ أمى وأبى المميز.
كما أنى أحن لأزمنة الإعلام الهادئ الراقى الخالى من التريندات والفيديوهات والانتقادات اللاذعة التى تضع الضيف فى مأزق وتصيب المذيع بالحرج وتثير حفيظة الخبراء والمشاهدين، لم يكن المطروح فى السابق بهذا الشكل الفج ولا المضمون بهذا السوء، كان الأغلب فى الأحاديث والحوارات هو الاحترام والتقدير والكلام السليم المنمق الصادر من كبار الشخصيات فى جميع المجالات، ولا أعلم لماذا تغيرت الأحوال وكيف صارت بهذا الرخص وأصبحت شاهد قبل الحذف؟.
وأنا أبحث عن الأسباب التى أدت إلى هذا الحال الذى يشكو منه الجميع، لفت نظرى برنامج كان يذاع على ماسبيرو زمان والضيف الفنان القدير أحمد مظهر والمذيعة سيدة متزنة لا يحضرنى اسمها الآن، وكان الحوار التلفزيونى يدور حول أدواره العظيمة المتنوعة وعن زملائه الأفاضل ويستفيض بكلام موزون وشيك عن إحترافهم وأخلاقهم وموهبتهم ويعبر ببلاغة عن قيمة الست فاتن حمامة فى فيلم «دعاء الكروان» وعظمة الست شادية فى فيلم «لوعة الحب»، وتميز الست نادية لطفى فى فيلم «النظارة السوداء»، وقد سألته المذيعة لماذا يقول على كل زميلة قبل اسمها لقب (الست وليس الفنانة أو النجمة) فرد عليها قائلًا: «لأنهن ستات بجد وبمعنى الكلمة وقيمتها ومافيش أعظم من اللقب ده يتوجه حضورهن ووجودهن ونجوميتهن»، وأضاف أيضًا «الحقيقة أقل حاجة عملناها واتفقنا عليها كرجالة فى وقتنا إن أسامينا تُكتب ورا أساميهن، وكلنا كنا موافقين أنا ورشدى وكمال وعمر ورمزى، كلنا ولم نجرؤ يومًا أن نطلب أن أسمامينا تُكتب قبلهن، ربنا لما خلق الست خلقها تاج على راس الرجل وهن كذلك على رؤوسنا».
كان هذا الكلام الصادق الأمين هو نص ما قاله الفنان القدير أحمد مظهر فى حق زملائه الذين يشاركونه البطولات المطلقة، لم يكن هناك ما يسمى بخلافات مَن هو نمبر وان، ولا نزاعات مَن له الأسبقية فى كتابة اسمه أولًا، ولا حسابات مَن يبيع أكثر من الآخر فى سوق التوزيع، الكل فى السابق كان بنفس القدر والقيمة، وكذلك
الحوار التلفزيونى كان رائقا وسلسا، والأسئلة هادفة والأجوبة منطقية ولم يكن هناك أسرار تفشى على الملاء، ولا أخبار مفبركة تبحث عن نسب مشاهدة عالية ولا تطاول من قِبل أحد أطراف الحوار ولا مغادرة فجائية على الهواء اعتراضًا على جملة أو لفظ تم طرحه، كان السؤال استفسارا محترما لا استجوابا، وكانت الإجابة شرحا مفسرا لا دفاعا عن النفس، بكل أسف تحولت الحوارات إلى محاكمات والضيوف إلى متهمين والحديث إلى جلسة استماع، وكل هذا من أجل حفنة فيدوهات وشير للمقطع أكثر من مائة مرة، والسؤال هل هذا هو النجاح فى السبق التلفزيونى؟!
وعودة مرة أخرى لحوار الفنان القدير أحمد مظهر الذى ختمه بإجابة موجعة توضح من أين بدأت التحولات المفزعة حين سألته المذيعة «أستاذ أحمد حضرتك عشت الزمن الجميل وعايش حاليًا الألفية الجديدة، إيه اللى حصل وغيرنا كده!؟»، فأجاب بحسرة قائلًا: «ماعرفش يا بنتى، أنا صحيت فى يوم لقيت الهوا وحش وبطلت أشم ريحة الورد فى الجنينة ولقيت الناس مابتضحكش فى وش بعض وبطلوا يتلموا أول خميس من كل شهر على حفلة الست حتى فى التلفزيون، ولا فى حد بقى بيكتب جوابات لحد، رغم إن الجوابات دى كان ليها مفعول السحر، كنا بنحضر الكلام وبنكتبه من أرواحنا حتى العتاب فى الجواب كان حب، دلوقتى الدنيا كلها اتغيرت، السباك بقى صاحب العمارة اللى على أول الشارع وذوقها وحش، عبارة عن كتلة خرسانية شبه السجن، ومحدش من الشباب قادر على تمنها.
لازم يسافر يتغرب عشان يقدر عليها، ماعادش المصرى صاحب فضل على إخواته الصغيرين، بقى مزنوق ومحتاج، مع الأسف الكلام الحلو قل والحس مافيش والبنى آدمين مضغوطين طول الوقت والأحوال اتلخبطت، يا خسارة حقيقى مصر طول عمرها ست جميلة أوى ما تستاهلش كده أبدًا». وأعتقد أن ختام الفنان القدير قد لخص بداية الانحسار ومن أين أتى، فالتحول أصاب كل شىء وأنا أحلم بعودة الروح الجميلة للفن والإعلام والعلاقات والبشر أجمعين. وهذا المقال فى حب إعلام الزمن الجميل وفن الزمن الجميل وذكرى الفنان القدير أحمد مظهر أوائل شهر مايو.. يا ليت الرقىّ يعود يومًا.
التعليقات