في معترك العلاقات الإنسانية، لا يتوق القلب إلى ساحةٍ مفتوحةٍ تتسعُ لخياراتٍ متعددة، بل إلى مملكةٍ حانيةٍ لا يتربعُ على عرشها سواك. إن ما تبحثُ عنه روحُك ليس اتساعَ الدروبِ وتشعبَ المسالك، بل قُربَ المسافةِ التي تفصلكَ عن واحةِ الأمانِ والسكينة. لستَ في حاجةٍ إلى عابرينَ يقتسمونَ معك برهةً من الزمن، بل إلى رفيقٍ يُشارككَ عمقَ المعنى وجوهرَ التجربةِ الإنسانية.
تتوقُ إلى من يرتعدُ فؤادهُ خوفًا من فقدانك، كما لو أن الهواءَ نفسه يضيقُ في غيابك، لأنكَ في عالمهِ لستَ مجردَ احتمالٍ عابر، بل يقينٌ راسخٌ لا يُستبدلُ بكنوزِ الدنيا.
مطالبُكَ ليستْ باهظةً ولا خيالية، لا تنتظرُ معجزاتٍ خارقةً أو عباراتٍ مُنمّقةً تزينُ السطورَ بلا روح. كلُّ ما يرتجيهِ قلبُكَ كلمةٌ صادقةٌ تنبعُ من الأعماقِ دونَ طلبٍ أو استجداء: "أنا هنا... لأنَّ وجودكَ يهمني". أن تكونَ ذا قيمةٍ حقيقيةٍ تتجسدُ في تفاصيلِ الحياةِ اليوميةِ الصغيرة، لا مجردَ اسمٍ يُذكرُ عرضًا في المناسباتِ الكبيرةِ فحسب. أن تجدَ صورتكَ محفورةً في ذاكرتهِ الحاضرةِ دائمًا، لا هامشًا مُهملاً على رفوفِ وقتهِ المزدحم.
ليستْ المسألةُ مجردَ "حبٍّ" كما يظنُّ الكثيرون، بل هيَ في تقديرِ هذا الشعورِ المقدسِ ورعايةِ القلبِ الرقيقِ بعنايةٍ فائقة، كرعايةِ زهرةٍ يخشى عليها من قسوةِ الرياحِ العاتية. أن يكونَ حضوركَ في حياتهِ أمرًا طبيعيًا ينبعُ من قيمةِ ذاتكِ عنده، لا فرضًا تقتضيهِ الواجباتُ أو الظروف، وأن يكونَ غيابكَ محسوسًا يُحدثُ فراغًا مؤلمًا يُثقلُ الأجواء.
لا تحتاجُ إلى وهجٍ مُبهرٍ من الاهتمامِ المصطنع، بل يكفيكَ وميضُ نظرةٍ صادقةٍ تنطقُ بالودِّ والحنانِ وتحتضنُ روحكَ بلطف. يكفيكَ سؤالٌ بسيطٌ عن يومك، لكنْ بنيةٍ صادقةٍ لا تكتفي بإجابةٍ مقتضبةٍ وعابرة، بل تفتحُ أُذنَ القلبِ لتستوعبَ أدقَّ التفاصيلِ التي قد لا تُروى لأحدٍ سواه. ليستِ العبرةُ في الهدايا الثمينةِ والإيماءاتِ الكبيرةِ المُعلنةِ على الملأ، بل في اللمساتِ الصغيرةِ الخفيّةِ التي تُبني صرحَ الطمأنينةِ في الروحِ وتُرمّمُ ما تصدّعَ منها في صمت.
أن تكونَ مهمًا ليسَ فقط في لحظةِ حضوركِ المادي، بل في الفراغِ الذي يتركهُ غيابكِ في الوجدان. أن يُستشعرَ فقدكَ كما تُستشعرُ الحاجةُ المُلحةُ إلى الهواءِ النقيّ للتنفس. فمن يخشى حقًا أن يخسركَ، سيعاملكَ في كلِّ يومٍ يمضي ككنزٍ نادرٍ لا يُقدَّرُ بثمن، لا كشيءٍ مُسلَّمٍ بوجودهِ ومضمونِ بقائهِ إلى الأبد. وكلُّ الحبِّ الذي يملأُ الدنيا لا يساوي شيئًا إنْ خلا من احترامٍ لجهدكِ وتقديرٍ لقيمةِ وجودكِ وصدقِ الخوفِ العميقِ من فقدانك.
التعليقات