نمدُّ أيدينا لا لتُمسِك بشيء، بل لتُفلِت كلّ ما أثقل أرواحنا دون جدوى.
نتوقّف عن المناداة، لا يأسًا، بل احترامًا لصدى لم يَعُد يردّ، ونكفّ عن اللهاث خلف أبوابٍ أُغلِقت، ليس عجزًا، بل لأن الكرامة لا تطرق سوى من يُحسن الفتح.
نُسكت الضجيج الذي يعربد في خواطرنا، ونُطفئ سُعار التوق لما لا يعود، نُرخِي قَبضاتنا عن ما جَرَح، عن ما استنزف، عن ما لم يمنح إلا الخواء.
نلوذ بزوايا فينا لطالما هربنا منها، نَجثو أمام شتاتنا لا كي نبكيه، بل لنُربّيه من جديد، نُربّت على أرواحنا المُنهَكة برِفقٍ خالٍ من العتاب، ونُواسي قلوبنا كما تُواسى الطفولة بعد انطفاء الضوء.
نُصغي لصمتٍ صادق، لا يطلب تفسيرًا، ولا يُحمِّلنا وزرًا، نُصغي حتى يَصفو الصوت، ويبرأ الجرح، وتُشفى الحكاية دون شهود ولا قضاة.
لا نُعاتب من ولّى، ولا نُشرّع الأبواب لمن أتى بعد أن تقطّعت الطرق.
نترك الأشياء تمضي كما تشاء، لا استسلامًا، بل اعترافًا بأن في الركون أحيانًا عزاء، وفي التخلّي رحمة.
فكلّ ما نهرب منه يستقر حين لا نُطارده، وكلّ ما نُجاهد لأجله يستقر حين نُسلِّم.
إنها الطمأنينة التي لا تأتي إلا بعد أن نتوقف عن المقاومة...
ونبدأ في احتضان أنفسنا، كأننا الوطن.
التعليقات