هل نبحث عن الحقيقة، أم أن هدفنا تحقيق المتعة، سواء كان الطريق إليها مفروشًا بزهور الصدق أو بعشرات من أشجار الأكاذيب.
كثيرًا ما أقرأ العديد من الحكايات المختلقة، فى جزء كبير منها يكذبها المنطق، وأسارع بتصحيحها ولكن (ولا الهوا)، تعاد كتابة الكذبة وتحظى بعشرات أو آلاف من علامات الترديد والمتابعة وإعادة النشر، بينما الحقيقة تنزوى فى الركن البعيد الهادى، ولا أحد يفكر فى إعادة إرسالها لأحد!!.
الكذبة عادة جيدة الصنع، وتُرضى ذائقة الناس، (سبايسى) حراقة، مليئة بالتوابل، بينما الحقيقة فى الكثير من الأحيان مثل الطعام الصحى المسلوق، تعودنا ألا نتعامل مع المسلوق، إلا ونحن فى حالة مرضية أو لأننا نخشى المرض.
يمتلئ (النت) بعشرات من الحكايات (المضروبة)، والتى كثيرًا ما يتم تكذيبها، ورغم ذلك ومع كل مناسبة يتم الترويج للكذبة ودفن الحقيقة.
كيف تصنع الكذبة؟ حتى تصبح المعادلة معقولة، نضع غالبًا (ملعقة) من الحقيقة مع (كبشة) من الأكاذيب، لزوم تحلية (البضاعة)، لاحظت أن أغلب الحكايات المتداولة تغيب عنها حتى (ملعقة) الحقيقة، لتصبح (الحلة) مملوءة بـ(كبشة) من الأكاذيب.
لديكم مثلًا أغنية (ست الحبايب)، الحقيقة هى أن الشاعر حسين السيد كتبها حبًا فى أمه بعد أن قرر التليفزيون الاحتفال بعيد الأم، وتم تكليف الموسيقار محمد عبدالوهاب بالتلحين، وعلى الفور رشح توأمه الفنى حسين السيد لكتابة أغنية، جاءت كلماتها تقطر صدقًا، وغنتها فايزة أحمد بعد عبدالوهاب، كما ترى أمامك القصة حقيقية إلا أنها بلا تحابيش، ولهذا بحثوا عن (التحابيش)، وملأت تلك الحكاية (النت)، حسين السيد جاء لأمه يوم عيدها، وتذكر فقط وهو على سلم البيت أنه نسى أن يحضر لها هدية عيد الأم، فكتب لها (ست الحبايب)، وسامحته أمه، ولم تسأله (كيف تأتى لأمك وإيديك فاضية؟).
هذه الأيام تسيطر على (الميديا) أغنية ليلى مراد (يا رايحين للنبى الغالى)، الحكاية الطريفة التى لم تحدث أبدا، أن ليلى مراد طلبت من المسؤول عن استوديو مصر منتج الفيلم السماح لها بالسفر لأداء مناسك الحج، رفضت إدارة الاستوديو لارتباطها بمواعيد صارمة فى التصوير، قررت ليلى أن تطلب من الشاعر أبوالسعود الإبيارى أن يكتب لها فى فيلم (بنت الأكابر) تلك الأغنية حتى يعوضها عن الذهاب للكعبة!
والحكاية تخاصم المنطق، الفيلم قائم أساسًا على سفر زكى رستم- جد ليلى مراد- الباشا الصارم الملتزم دينيًا، لأداء فريضة الحج، حتى تمارس حفيدته ليلى مراد حياتها، وتبدأ قصة الحب مع أنور وجدى فى غياب الجد، وتحت مظلة خالها الطيب سليمان نجيب.
حتى كتابة هذه السطور، ليس لدىَّ يقين هل أدت بعدها ليلى مراد الحج فى الواقع أم لا؟ أميل أكثر إلى أنها لم تذهب للكعبة الشريفة، فلا يوجد فى الأرشيف ما يشير إلى ذلك، أما كاتب الأغنية أبوالسعود الإبيارى، فهو يقينًا لم يؤدِ فريضة الحج، كان يخشى السفر بحرًا وجوًا وبرًا، ورغم ذلك كتب أهم وأشهر أغنية عن الحج!!
قال لى ابنه الكاتب الكبير أحمد الإبيارى إنه عندما ذهب لأداء فريضة الحج أقصد (أحمد) واكتشفت الشركة المسؤولة من جواز السفر أنه ابن شاعر (يا رايحين للنبى الغالى)، أصر صاحب الشركة على إعفائه من دفع أى تكاليف إكرامًا لوالده، الحقيقة كما ترى لا تحمل جاذبية، ولهذا سيظل الناس يرددون الكذبة (المشعوطة)!!.
التعليقات