إن أشدَّ ما يُمتحنُ به قلبُ الإنسان في هذه الحياة هو ابتلاءُ الرضا في مقامات الحرمان، وامتحانُ التسليم عند نزول الأقدار التي تُخالف كلَّ ما رسمته النفسُ من آمال، وتُناقض جميع ما اشرأبَّت إليه من تطلعات.
ففي تلك اللحظات الحرجة، حين تأتي المقاديرُ مُجافيةً لكل توقع، ومُخالفةً لكل هوى، وحين تفرضُ الحياةُ مواقفَها القاسية التي لا حولَ للمرء فيها ولا قوة، يضطربُ القلبُ في أعماقه اضطرابَ الموج في عاصفة عاتية، وتتلاطمُ المشاعرُ تلاطمَ الأمواج المتصادمة.
هنالك يخوضُ الإنسانُ أعنفَ معاركه الداخلية، ويقاومُ أشدَّ عواصفه النفسية، فيجاهدُ نفسَه جهادَ المُكابد الصابر، ويُروِّض مشاعرَه ترويضَ الفارس لجواده الجامح، ويسعى جاهداً لتهذيب انفعالاته وضبط جموح أحاسيسه، حتى يستكينَ القلبُ بعد عنائه، ويطمئنَّ الخاطرُ بعد اضطرابه.
وحتى لو طغى عليه الغضبُ طغيانَ السيل، وغمرته ثوراتُ النفس غمرَ الطوفان، فإنه في خاتمة المطاف - بعد أن تهدأَ العاصفة وتسكنَ الزوبعة - يصلُ إلى يقينٍ راسخ وإيمانٍ عميق بأن ما قضاه اللهُ عز وجل وقدَّره هو عينُ الخير وذاتُ الحكمة، وإن خفيت عليه أسرارُها وغابت عنه مقاصدُها في حينها.
فما أعظمَ هذا الامتحان، وما أشدَّ وقعَه على النفوس، وما أجلَّ ثوابَ من صبر عليه واجتازه بسلام
التعليقات