ربما يتبادر إلى ذهنك عزيزى القارئ تساؤلا عند قراءة عنوان هذه المقالة .. هل هناك ما هو أخطر من الكورونا هذه الايام ؟!!
الاجابة هى نعم ..
على الرغم من انشغالنا هذه الأيام بالتركيز على المحاولات العالمية للقضاء على الفيروس، والتطعيمات المتاحة و مدى قدرتها على منع تفشى المرض، و أعداد المصابين و الموجة الرابعة ووو .... إلخ.
ولكن الحقيقة أن هناك تأثير شديد القوة للفيروس لابد من الانتباه له؛ و هو عملية التحول المعلوماتى إلى العالم الافتراضي، وتمضية الأفراد، بمختلف الفئات السنية، لفترات طويلة يوميا أمام الشاشات سواء فى التسلية أو فى العمل، وهو ما يلقي الضوء إلى إشكالية شديدة الأهمية وهى عملية الانفتاح بشكل كبير جدا على العالم الافتراضى لمختلف الاعمار والإهمال الشديد لوسائل الاعلام التقليدية، وهنا تبرز الاهمية الشديدة للتربية الاعلامية.
والتربية الاعلامية ببساطة هى قدرة الافراد على انتقاء المحتوى الاعلامى، وعلى الرغم من أن مصطلح التربية الاعلامية متواجد منذ الستينات من القرن الماضى إلا إنه تطور بشكل كبير خلال السنوات الماضية نتيجة الاقبال الكبير على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى و وسائل الاعلام الرقمية فى الحصول على المعلومات كما تشير احدث الدراسات الاعلامية فى مختلف دول العالم.
وتهدف التربية الاعلامية على المستوى المجتمعى لتطوير قدرات كافه فئات المجتمع لفهم الثقافة الاعلامية المحيطة، وحسن الانتقاء والتعامل معها، وبالتالى زيادة الوعى المجتمعى للتعامل مع الاعلام بمختلف أشكاله.
ويعد الاهتمام فى الوطن العربى خلال الفترة الماضية بتدريس التربية الاعلامية فى المدارس والجامعات مبادرة جيدة بدأت فى لبنان و الاردن، ولكنها لم تحقق النجاح الكافى حتى الان. وتحتاج هذه المبادرات إلى كثير من الدعم، والتطور، والتطبيق فى الدول العربية الاخرى و خلق مزيد من المحاولات الحثيثة فى تدريس هذا المجال لكافة الفئات السنية فى المدارس والجامعات كمتطلب أساسى لتنمية مهارات وقدرات الطلبة في الجامعات والمدارس على مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية.
فبناء إنسان يعي دور الإعلام فى هذا الزخم الاعلامى اليومى الذى نتعرض له ضرورة بالغة تحتاج لها مجتماعتنا العربية فى القضاء على محاولات التغريب و غرس عادات و تقاليد ثقافية غريبة علينا سواء فى تطبيقات الهواتف النقالة التى تقدم الدراما للكبار و الشباب أو أفلام الكارتون للأطفال أو المواقع الاخبارية، علاوة على اعتماد الجماعات المتطرفة على وسائل الاعلام الرقمى فى الوصول الى عقول الشباب العربى و تلويث عقولهم وتجنيدهم، وتقديم أفكار دينية متطرفة من خلال مواقع و صفحات مجهولة الهوية تروج لكل هذه الاشياء و نتعامل معها و يقوم بعضنا بنشر محتوياتها مرة أخرى دون وعي.
ولعل الفارق الكبير بين الاعلام فى الوقت الحالى و الماضى يكمن فى أن وسائل الاعلام هى التى تحاول الوصول إلى الجمهور من خلال إرسال الاشعارات من خلال التطبيقات أو المواقع الالكترونية، بجانب التوصية بمضامين مقترحة للمتابعة على عكس ما كان يحدث قديما بعملية "معكوسة" يقوم فيها الفرد بالبحث عن المضمون فى وسائل الاعلام ليتعرض له.
الأخطر من الكورونا عزيزى القارئ هو ترك الجيل الجديد، لفترات طويلة كنتيجة للتباعد الاجتماعى، أمام هذه الوسائل "الناعمة" التى تحاول السيطرة على العقول، وتنشر الدعاية المضللة، وتروج الشائعات، وتعتمد على السخرية والفكاهة فى محاولة لتفتيت المجتمعات من الداخل سواء فكرياً أو رياضياً أو سياسياً كل ذلك فيما يعرف "بحروب الجيل الرابع".
ومن هذا المنطلق ، أصبح تدريس التربية الاعلامية كمادة فى المدارس و الجامعات ضرورة فى ظل اعتماد المؤسسات التعليمية نفسها على الوسائط التكنولوجية فى عملية التدريس و حل الواجبات للأطفال.
وبالتالى لابد من مواجهة هذا السيل المعلوماتى من خلال نشر ثقافة الانتقاء والتمييز والتحقق من مصادر المعلومات والتى لم تعد خيارا ولكنها أصبحت ضرورة حفاظا على هوية واستقرار و تطور مجتمعاتنا العربية.
التعليقات