كيف نعلم "نحن العرب" عن الآخر، وكيف يعلم الآخر "غير العربي" عنا؟
سؤال بسيط لكن إجابته تحتاج إلى مقالات عديدة، بل وندوات ولقاءات إذاعية ومتلفزة، يحتاج أيضًا إلى عقد مؤتمرات ثقافية يكون جمهورها منا نحن العرب ومن الآخر المتحدث بمختلف اللغات. لكني سوف أتخطى كل هذا العناء لأصل معك مباشرة إلى خلاصة كل هذه الندوات والمؤتمرات واللقاءات الصحفية أو الإذاعية أو المتلفزة، لأخبرك يا عزيزي بأن الإجابة باختصار شديد فى كلمة واحدة يمكنها أن تغني عن كل شيء وهي أيضًا خلاصة كل شيء، والكلمة هي: "الترجمة"، الترجمة الأمينة هي أهم روافد انتقال العلم والفكر والثقافة بين الثقافات والحضارات المختلفة.
وفى عالمنا العربي هناك حركة ترجمة كبيرة من مختلف اللغات إلى العربية، ودائمًا فى حال من نشاط يجعلنا نطلع على جديد الآخر فى سهولة ويسر، عبر ترجمة أعماله الأدبية، والكتب الفكرية والعلمية أيضًا.
ويساعد على انتشار وتوسع الترجمة من مختلف اللغات إلى العربية وجود دور نشر وهيئات ومؤسسات رسمية تقوم باستقبال هذه الأعمال من المترجمين، بل وتحثهم على الترجمة من خلال مقابل مادي، ومن ثمَّ تقوم بنشرها وطرحها للبيع.
فى المقابل، وهو الشق الثاني من طرحنا، كيف يعلم عنا العالم؟ وبنفس المنطق نقول عن طريق الترجمة، وهنا تكمن المشكلة، لأن الآخر لا يقوم بالترجمة عن العربية إلا أقل القليل والذي لا يكفي أبدًا لنقل صورة حقيقية شاملة عن فكر وثقافة وعلوم العرب، والمترجم العربي نفسه لا يقوم بالترجمة عن العربية إلى اللغات الأخرى إلا ما يعادل قطرات فى بحر، لأنه ببساطة لم يجد الجهة أو المؤسسة التى تكلفه بهذه الترجمات ويتقاضى منها مقابل جهده، ولأنه لا توجد دور نشر أجنبية تنتظر ترجمات الأعمال العربية إلى مختلف اللغات لتقوم بطباعتها ونشرها، وحتى المؤسسات العربية الرسمية المعنية بشأن الترجمة تولي كل همها إلى الترجمة من كل اللغات إلى العربية بينما لا تهتم على الإطلاق بالترجمة من العربية إلى مختلف اللغات، وعدد دور النشر أو الهيئات أو الجوائز الدولية التى تقوم بالترجمة، وترجمة الأعمال الفائزة على وجه الدقة، لا يذكر مقارنة بالكم الهائل من الإنتاج الفكري والثقافي العربي..!!
وبعدم وجود الترجمة عن العربية فإن أدبنا العربي فى مأزق، عالميًا، لأننا باختصار نُبدع لأنفسنا ولا يصل صوتنا إلى غير العرب، وأدبنا وكُتابنا العرب يستحقون الوصول إلى العالمية بما يقدمونه من أعمال أكثر من رائعة مقارنة بغيرها من أعمال ضحلة الفكر حظيت بترحاب عالمي لأنها فقط تم ترجمتها واستطاعت الوصول إلى كل يد على مستوى العالم، ولو ترجمت أعمال الأدباء العرب بشكل عادل إلى لغات العالم المختلفة لوصل الأدب العربي إلى المكانة التى يستحقها، ووصل الأديب العربي إلى مكانته التى يستحقها فى الجوائز العالمية مثل جائزة "نوبل" على سبيل المثال.
وفى هذه السلسلة من مقالاتي "فى رحاب الأدب العربي"، والتى أشرف بنشرها على لايف العربية ويتم ترجمتها إلى الإنجليزية والصينية، سوف نقدم فى كل مقال إطلالة على أديب عربي أو أحد الأعمال الأدبية العربية، بشكل ينقل إلى "غير العربي" فكر وثقافة وإبداع أدباء العرب.
التعليقات