صاحب رواية "أنا الشعب" هو الكاتب وأحد رواد الأدب العربي الكاتب محمد فريد أبو حديد. المولود فى الأول من يوليو عام 1893م بالقاهرة، وبدأ دراسته المضطربة في الكُتاب ثم المدرسة، إلي أن تخرج في سنة 1914م في مدرسة المعلمين العليا. حصل على ليسانس الحقوق عام 1924م، وعُين مُدرسا بالتعليم الحر ثم تدرج في وظائف التعليم بوزارة المعارف وعين عميدا لمعهد التربية بالقاهرة، وتولى منصب سكرتير عام جامعة فاروق الأول - (الإسكندرية الآن) عند إنشائها، ثم أصبح وكيلا لدار الكتب عام 1943م ثم وكيلا لوزارة التربية والتعليم فمستشارا فنيا للوزارة، واختير عضوًا بمجمع اللغة العربية.
اشتغل محمد فريد أبو حديد بالأدب منذ تخرجه عام 1914م، وكتب في المجلات الأسبوعية مثل السياسة والهلال، وكان من مؤسسي مجلة الرسالة ثم مجلة الثقافة في عهدها الأول حتى أصبح رئيسا لتحريرها، وقد اشترك محمد فريد أبو حديد في إنشاء لجنة التأليف والترجمة والنشر، ثم في إنشاء الجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية عام 1937م. شارك أبو حديد في عدد من المؤتمرات وكان عضوا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية كما تولى منصب مقرر لجنة الفنون الشعبية بالمجلس حتى وفاته. كان مميزا بكتاباته وبحب اللغة العربية والأدب العربي والتاريخ الإسلامي وأبطال وفرسان العرب، لذا كتب "صلاح الدين وعصره 1927، السيد عمر مكرم 1937، الملك الضليل امرؤ القيس، زنوبيا ملكة تدمر، أبو الفوارس عنترة بن شداد، المهلهل سيد ربيعة، آلام جحا، ابنة المملوك، الوعاء المرمري سيف بن ذي يزن. كما كتب للأطفال سلسلة "أولادنا" و عمرون شاه، كريم الدين البغدادي، آلة الزمان "مترجمة"، نبوءة المنجم "مترجمة"، وله فى المسرح إسهامات رائعة، منها عبد الشيطان "مسرحية رمزية"، مقتل عثمان، ميسون الغجرية، خسرو وشيرين، ترجمته بالشعر الحر لـ ماكبث ويليام شكسبير. هذا إلى جانب دراسات عديدة في اللغة والأساطير والأدب والفلسفة بجانب إشرافه على بعض المجلات والدوريات ومشاركته مع كتاب اخرين. وهو الإنتاج الغزير الذي جعل استحقاقه للتقدير والجوائز أمر حتمي، ليحصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية. وسام الجمهورية من الدرجة الثانية. مُنح في عام 1952م جائزة الدولة في القصة، جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1963.
ويطيب لي أن نمر سريعًا على أهم نتاج الكاتب محمد فريد أبو حديد، وأعني روايته "أنا الشعب" والتي صدرت عام 1958 كرواية من الأعمال الطويلة حيث تخطى عدد كلماتها 74 ألف كلمة، ونُطالِع في هذه الرواية الرائدة إرهاصات الأدب الواقعي المصري؛ حيث ينتصر المؤلِّف للطبقات المُهمَّشة والفقيرة، ويُناقِش مشاكلها قبل ثورة يوليو؛ فأوضاعُ عامة الشعب بلَغ منها السوءُ مَبلغَه، حيث تئنُّ تحت وضعٍ اقتصادي في غاية التدهور، ولا تجد فُرصًا عادلة لتحسين أوضاعها، فكأنَّ الشقاء مُلازم لها. كان والد «سيد» قد تُوفِّي وتركه تلميذًا يافعًا بالمدرسة، فتخبَّط لأعوامٍ بلا هدًى، ولكن بالرغم من صعوبة الظروف، لم يَفقِد الأملَ قط، وسرعان ما أفاق وكافَح ليجد لنفسِه مكانًا تحت الشمس، فلم يأنف أن يُمارس عملًا شاقًّا مُرهِقًا مقابلَ قروشٍ قليلة، ولكنه للأسف تعلَّق بشابةٍ جميلة ثَرِية في علاقةِ حبٍّ مستحيلة لا يُمكِن أن تنتهي بالزواج. أحداثٌ أكثر سيتعرف عليها مَن يُطالع هذه الرواية التي تبدأ بفقرة مهمة نعرضها للاقتراب من العالم الأدبي لمحمد فريد حديد، وهي:
"حياتنا سلسلة من حوادث صغيرة ليس لواحدة منها في ذاتها ما يَسترعي انتباهنا في اللحظة التي تمر بها، ولكنا إذا بَعدنا في الطريق، وأصبح من المُحال أن نعود أدراجنا تبيَّن لنا أن بعضها هو الذي يُقرِّر مَصائرنا، ولو كُنا نَفطِن إلى هذه الحوادث الصغيرة الخطيرة في اللحظة الحاسمة لحَرصنا على توخِّي الحكمة وتجنُّب الأخطاء، ولكِنَّا بشر نَكتب بأخطائنا سلسلة القصة البشرية، والحوادث التي تمرُّ بنا تُخلف فينا آثارًا لا تُمحى، بعضُها حائل يسنح لنا في ذكريات عابرة، وبعضُها عميق يُشبه ندوب الجراح بعد التئامها، وهذه الخطوط العميقة هي التي توجِّه تفكيرنا وتقود مشاعرنا وتُحرِّك إرادتنا. هذا ما بدا لي على الأقل وأنا في غرفتي الصغيرة من سجن الاستئناف أجول بخيالي في عالم الذكرى لأُسجِّل ما أظنه جديرًا بالذكر من حوادث حياتي".
وهناك من أعماله "أزهار الشوك" عام ١٩٥٣وهي من الحجم المتوسط حيث تزيد عن 36 ألف كلمة بقليل، وتنطلق هذه الرواية من الواقع وتنتهي إليه؛ فسبيل التعامل مع مُكدِّرات الحياة هو التنزُّه عن إنكارِ حقيقةِ وجودها، والابتعادُ عن العيشِ في حُلم الرغَد والنعيم، أو الغرقِ في جانب الحياة البئيس؛ فكلا الجانبَين زَيْف. بطل القصة هو ذلك الشاب الريفي الذي يَحنُّ إلى حياته البدائية الأولى؛ تلك الحياة البسيطة التي لا يُبالي معها بتَوالي الأحداث وتَعاقُب السنين، وهو بعدَ أن اختلط بالمدينة وانخرط في صراعاتها اليومية، يدفعه الشوقُ إلى مَوطِن شروقِ شمسِ عمره. وهو على هذه الحال كزهرةٍ ساقَها القدَرُ نحو التعلق بعُودٍ من الشوك، تسبح وسطَ أمواجٍ هادئة، وتسير ببطءٍ نحو مركزِ دوَّامةٍ عنيفة فتغرق فيها دون مقاومة.
أما كتابه "آلام جحا" الذي صدر عام ١٩٤٨وتزيد في حجمها عن أزهار الشوك بقليل، نجده برؤية مختلفة حيث اعتدنا أن تكون قِصصُ «جحا» ضاحكةً لطيفة، لا تخلو أحداثُها من بعض المفارَقات الطريفة التي تُظهِر ذكاءَ «جحا» مرةً وحماقتَه مرةً أخرى، لتظل هذه الشخصيةُ التراثية غامضةً عسيرةً على الفَهم، فهل كانت حقيقيةً أم خياليةً مُختلَقة؟ وهل كان «جحا» فارسيًّا أم عربيًّا أم غير ذلك؟ أسئلةٌ كثيرة تطفو مع الحديث عن هذه الشخصية، ولكن الأمرَ مُختلِف هذه المرة في هذا الكتاب؛ ﻓ «جحا» قد بلغ الأربعين من العمر، وأنجب طفلَين من زوجته الفظَّة الكريهة التي تَجلِده بلسانها ليلَ نهار، ويبدو أنَّ تتابُع الخطوبِ عليه قد جعله يمرُّ بشيءٍ يشبه أزمةَ منتصف العمر، فيَجترُّ آلامَ الإحباطات، ويعاني الحُبَّ المستحيل؛ الأمرُ الذي جعله يتخلَّى عن رُوحه الفَكِهة ومَقالبه الذكية، ويحكي لنا بعضَ آلامه.
وفى عام 1949 أصدر عمله الأدبي " المهلهل سيد ربيعة" وهي رِوايةِ التاريخيةِ حيث يسرد قصةَ أحدِ فرسانِ قبيلةِ «تغلب» العربية، وأحدِ أهمِّ أبطالِ العصرِ الجاهِلي، وهو «عُديِّ بنِ ربيعة»، المُلقَّبِ ﺑ «المُهلهِل» أو «الزِّير». وتدورُ الروايةُ حولَ «حربِ البَسوس»، التي قامتْ بينَ قبيلةِ «تغلب» وقبيلةِ «بَكر» واستمرَّتْ قُرابةَ الأربعينَ عامًا؛ فتبدأُ أحداثُها التي يَشُوبُها الخيال، بأجواءٍ هادئةٍ قبلَ بدايةِ الحرب وعقِبَ مَقتلِ «كُليب بن ربيعة التغلبي»، وتستمرُّ الأحداثُ في فصولِ الكتابِ المُتعاقِبةِ بمزيدٍ مِنَ التشويقِ حتى النهاية؛ حيثُ وفاةُ البطلِ الذي اشتُهرَ بقصائدِهِ الرَّنَّانةِ في الفخرِ والثَّأْر.
وتأتي محاولته الرائدة لتحويل قصة سيف بن ذي يزن، من التراث إلى رواية أدبية تاريخية رائعة وكان ذلك بعنوان "الوعاء المرمري" عام ١٩٥١. وصدرت فيما يزيد عن 62 ألف كلمة، وهذه المحاولة الروائية الرائدة استلهم فيها شيخ الروائيين «محمد فريد أبو حديد» السيرةَ الشعبية للبطل الأسطوري «سيف بن ذي يزن» الذي حارب الأحباش المحتلين، وسعى لطردهم من بلاده؛ اليمن السعيد. ويبدو أن «أبو حديد» كان متأثرًا باحتلال البريطانيين مصر، ويحلم بظهور بطل شعبي يلتفُّ حوله الناس ليطرد المستعمر بلا رجعة.
ولن نتجول بين كل أعماله بالطبع لكني أنهي هذه الجولة بترجمته لعمل ضخم بعنوان "فتح العرب لمصر" كتبه "ألفريد بتلر" عام 1902 وقام بترجمته محمد فريد أبو حديد في عام ١٩٣٠. والعمل ضخم تخطى 178 ألف كلمة، وفيه يحدثنا عن أن الفتح العربي لمصر نقطةً فاصلة في تاريخ الشرق الأوسط بأَسْره؛ ولهذا السبب حرص مُؤلِّف هذا الكتاب على التدقيق في البحث عن الحقائق التاريخية دون الانحياز لأي طرف، أو تحقيقِ أيِّ غرضٍ ديني أو تاريخي؛ ليُؤلِّف بحثًا مُتكامِلًا عن تلك الحِقبة التاريخية، ووصفًا تفصيليًا لحال مصر قبل الفتح وبعده. ويستعين المؤلف بكل المصادر العربية والغربية المُمكِنة، حتى المُتناقِضة منها؛ ليكون بحثُه أولَ بحث مُفصَّل في هذا الأمر يخضع للتمحيص الشديد. وللسبب نفسه عُنِي المُترجِم بتقديم هذا الكتاب القيِّم للقارئ العربي، ليَطَّلع على التاريخ من وجهةِ نظرٍ مُحايِدة، تختلف عن الكتب النمطية السائدة التي لا تتناول فتحَ العرب لمصر إلا بصورةٍ هامشية.
توفى محمد فريد أبو حديد في 18 مايو عام 1967م عن عمر يناهز 74 عاما مخلفا مسيرة حياة حافلة بالإنجازات والابداعات الأدبية والمترجمات والابحاث التاريخية والقومية، وقد قررت قصصه على صفوف الثانوية ثم تنبهت الهيئة المصرية العامة للكتاب لأهمية أعماله وأنصفته بعد سنوات من الإهمال والنسيان وقد كادت أعماله تنسى ويطويها النسيان والضياع فقامت بطباعة أعماله الكاملة.
التعليقات