من نافذة القطار جلست استمع لموسيقتي، يداي مترابطتين، استقي الهدوء، استشرف الجمال من الطبيعة واستمتع بجمال مجاني لا يراه أغلب من يجلسون حولي في القطار.
لم أكن انتوي الكتابة اليوم فأنا بحاجة لشحن روحي، لأن أشعر مجددا، لأجد فيما حولي ما يغريني بالتفاؤل ويجدد الأمل في روحي.
وحدي في قطاري منعزلة عن الناس جلست أناجي القدير، أحب ذلك وأشعر بالأمان أن لي رب يجيب دعوتي وألجأ إليه في كل صغيرة وكبيرة.
أحب أن احتمي به من شر من حولي ومن شر نفسي، أسأله العون والقوة والبصيرة وحسن الاختيار، جمال الأثر وحسن الذكرى وقوة الحضور.
كانت تنهيدات الهدوء قد بدأت أعراضها، اختلج قلبي صوت يحدثني وأنا أنظر إلى ملايين البيوت تمر مثل الشريط، كل بيت به أفراد وكلهم لهم حاجات والله يعرف نواياهم ويجيب حاجتهم ويختار لهم ويرأف ويتلطف بهم.
يا الله … اجعلني في صحبة تلك العظمة الرحيمة!
يمر على كل عشر دقائق من يقدم المشروبات … العطر الذي يتركه يذكرني بعطر جدتي رحمها الله فأدعو لها ولأحبابي.
وظللت اتأرجح بين جولات من الدعاء والهدوء حتى مر أمامي صورة عظيمة للحياة.
بيت متواضع بجواره مخزن تسبح فوقه شجرة كافور عتيقة كأنها مزروعة من قبل الميلاد. بجوار المخزن ورشة صغيرة لتصنيع المنتجات الخشبية وألواح الخشب متراصة في تناسق بديع.
أمام البيت وفي تلك اللقطة التي ربما لم تتعدى الثلاثة ثوان، رأيت أصحاب البيت يجلسون في ظل البيت. ثلاث سيدات يبدو أن إحداهن كبيرة، طفلان صغيران يمرحان ورجل واحد في عمر النضوج، وكان يبدو أن الجميع يتسامر في وئام.
تلك اللقطة البديعة أثارت في قلبي المزيد من الطمأنينة، رغم أن عمر رؤيتها ثوان قليلة، لكنها أثارت بداخلي جمال كان يجب أن اسجله.
أحب أن أرى الناس سعداء، هذا الشعور يطمئني ويرضي قلبي.
مهما كانت حياة الإنسان بسيطة يجب ألا تخلو أبدا من السعادة. هذا الظل العظيم لتلك الشجرة العتيقة كان قادرا أن يوفر موعد لقاء لأفراد بيت يقدرون معنى الحياة.
الترابط بين أفراد العائلة يعني أشياء شبيهة بالسعادة. أُناس يعرفون لغة الحب وليس لغة الغيرة، يؤمنون بوحدة الهدف ويتجنبون الفرقة والوحدة، خيرهم في رضاهم عن مكتسباتهم لا يفرضون الغل بسوء خلقهم وقانونهم القلب الممتلئ.
لا أحد لا يعرف البهجة وقت أن يراها، لا أحد ينكر الود عندما يشعر به، ولا أحد يرفض الأنس إذا ما صاحبه الأمان.
أتعرف يا سيدي أن معظم البيوت الجميلة الطيبة مفتاح استمرارها الأمان وليس الحب.
إذا كنت أشعر بالأمان بجوارك رغم إنك لا تحبني فأنت إنسان يحق لك حياة.
العيب والعار هو أن توهب كل أسباب الاكتفاء وتأتي خطواتك تجاه الآخرين عرجاء.
إن قدرتك على توفير أمان الصحبة، حلو المعشر ويسر الاصطحاب هو ما يجعل جوارك مريح وعشرتك تدوم بين الناس.
بعضنا لا يعرف بعد ما هو الأمان …
أن تُكْتَب في قلبي مأمون الجانب يعني أن حديثي إليك ورزقي في دنيتي وفصول حياتي في أمانك، يعني أن يجتاحك السرور لسعادتي، يعني ان أصدقك القول والفعل وحسن التواجد، يعني أنك تغلق عني أبواب الريح ولا تسمح لمنقوص العقل والقلب أن ينخر عظام ظهري، ويعني أنني كلما تركتك وعدت إليك يصادفني نفس القلب ونفس الوجه الذي لا يتغير لونه.
الأمان وليس الحب هو مفتاح استمرار العلاقات!
إذا كنت مصدر الأمن لأحدهم فلن يتمنى الآخرين اختفائك أو شقائك، غير ذلك سيكون هو معول الهدم الفعَّال في علاقتك بالناس.
ليس بالضرورة أن تحب كل من حولك لكنه من العار أن تشعرني بالوَحشَه كلما طاف بي الخير أو تقدمت خطوة أو انفرج لي باب.
هذا يا صديقي ليس بأمان إنه منتهى الضيق … هوة متسعة لشر مستمر يرضى به عنك إبليس.
بجوار الحاقدين تتنفس الدخان، تختنق طوال الوقت ولا تجد في صحنك طعام. مجرد دخان قادر على استبدال الهواء العليل بآخر ثقيل يغلق رئتيك في كل شهيق وزفير على ضيق وألم وحسرة.
أتعجب من استنكار البعض لقَدَرُه.
يا سيدي كل ما تزرعه تحصده، كل ما تعطيه يعود إليك، كل ما تنكره ينتظرك وكل ما تتجاهل فعله سينقُصك!
التذمر الوحيد الذي يبقيك حي هو أن تجعل لك وقفة عِز مع نفسك، تصدق نفسك القول والعمل والدعاء، تتحرى صنائع المعروف، تستجلب لنفسك الخير بتمني السعادة لغيرك، أن تعتاد الجودة وتكره الحقد وتستفزك الضغينة.
قانون القلب الكريم هو ما يجذب إليك بيت المحبة، لن تهتم وقتها إذا كان بيت ثراء قدر ما سيهمك إنه بيت دفء يشعر بداخله الجميع بالأمان ومِن ثَمّ الحب المستحق.
التعليقات