بحكم تخصصي في مجال الزهور ونباتات الزينة، تتأثر كلماتي دائما بالزهور والأشجار والنخيل. في رحلة عودتي بالأمس من القاهرة للإسكندرية بالقطار وكما اعتدت، أراقب جانبي الطريق ففيه الكثير من الجمال والعِبَر لمن أراد أن يتعلم ويشاهد.
لاحظت وجود الكثير من النخيل من بديع صنع الله حول البيوت وعلى أطراف الغيطان. بعض أشجار النخيل تصاب بسوسة النخيل والتي غالبا تقضي على رأس النخلة وتتركها مبتورة خاوية على عروشها.
رغم أن النخيل عاري الساق، لكن بهاء أوراقه وأحيانا ثماره تجعله على رأس بديع صنع الله على الأرض.
غالبا ما يترك النخيل بهذا الشكل المؤذي بعد أن تموت قمته النامية، لتتحول تلك القامة المهيبة لتلك النخلة البديعة إلى منظر مؤسف ومؤلم كلما رأيته.
تكلفة تقطيع النخلة وبيعها خشب لا توازي أبدا ما يدفع فيها، فيكون الخيار بتركها أطول مدة أفضل وأوفر.
كم نخلة مقطوعة الرأس تعرف في حياتك؟
أحدثك اليوم يا صديقي عن أناس فقدوا تاريخ الصلاحية داخل قلبك، فأصبحت تراهم مثل أخشاب النخيل قليل القيمة وتحولوا لعبء على قلبك بعد أن كانوا أشجار قطوفها دانية.
الفرق الوحيد بين الإنسان والنخلة أن الأخيرة أصيبت رغم عنها، أما الإنسان فهو ذاك الغبي معلول القلب الذي يتمتع بالعيش مَوحولًا بسوء خلقه وسواد قلبه ورغبته الشريرة في انتزاع أمن القلوب وهدوئها.
الكل يمر أمام تلك النخلة يؤذيه منظرها ولا يجد في نفسه الرغبة في فعل أي شيء آخر .. فالمنظر لا يستحق!
لو كانت قلوب الناس تحمل رائحة، لفقد الكثير من البشر حاسة الشم من سوء رائحة بعض القلوب.
إنما أرى الحياة إختيار .. فإذا قبلت التحدي لا تتوقع أن تمر هنا أو هناك دون أن تصادف تلك الرؤوس المبتورة، أناس بلا عقل أو قلب .. أجساد جافة يابسة من الحياة، لا تعرف الحب أو الرفق واللين.
أحيانا أظن أن حرق أخشاب النخيل المصابة أولى من تكلفة قطعها!
كلنا نُصاب من وقت لآخر ببعض آفات القلوب، لكن يبقى أصحاب القلوب الكريمة محتفظين بالمناعة الداخلية التي تقي رأس النخلة شر الإصابة بالمرض.
اعتادت أعيننا رؤية مثل هؤلاء لكن لن تعتاد قلوبنا صحبتهم أبدا.
أتعجب من قدرة بعض القلوب العيش بكل هذا المرض والخَبَث يسري في أوصالهم فيراهم القاصي والداني ثم يمرون عليهم مرور العابرين.
يعتبر مرض الجُذام أشد الأمراض قسوة على الإنسان، والذي تتساقط أطرافه رغما عنه. أتدري يا صديقي أن هناك ما هو أسوأ من هذا؟ الشخص مجذوم القلب!
هو شخص استغنى عن قلبه طواعية فتحول النور الذي كان يسكنه يوما إلى سواد حالك وتعفن قلبه وسقط مجذوما.
تلك النخلة مجزومة الرأس رغم إرادتها، لكن الإنسان صاحب إختيار. تركك لقلبك دون تطهير عمرا بأكمله دون أن تشعر أنك بحاجة للتغير هي في رأيي "بجاحة روح".
اليوم أعرف لماذا ننفر من بعض القلوب، لماذا نتجنبهم، لماذا نتناسى وجودهم حتى ننساهم، ولماذا يصبح البعض ذكرى كريهة الرائحة.
رائحة قلوب بعض الناس مثل كبريتيد الهيدروجين H2S كريه الرائحة مثل رائحة البيض الفاسد المتعفن.
تخلص من الروائح الكريهة بتهوية قلبك جيدا، جاور الأشجار الصالحة، داوي قلبك أول بأول ولا تضع البيض الفاسد في سلتك أبدا.
أنت مسؤول عن اختياراتك، فلتجعلها تعمل في اتجاه صلاح قلبك فلقد اكتفينا من الأرواح العاجزة العفنة.
أفضل ما يعينك يا صديقي على صلاح قلبك أن تغرس كل يوم في نفسك وفي أحبابك لينة صغيرة صالحة.
اللينة هي النخلة الصغيرة الصالحة وهكذا سميت ابنتي الصغيرة حبا في معنى الغرس الصالح.
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة الحشر: [مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) ].
أنت مجازى عن غرسك وصنيعة يديك … ويوما ما ليس ببعيد سيجزي الله الناس فاعمل ألا تكون من الفاسقين .. فالخزي قهر عظيم.
إن كنت تصلي وتصوم وتتصدق وتخرج زكاتك، لكنك لم تتعلم كيف تحول آيات القرآن لسلوك يقوض الشر والسوء بداخلك فقد حبط عملك يا سيدي .. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
التعليقات