عرفتُ الأديبة التونسية فاطمة بن محمود في إحدى مشاركاتي في خيمة علي بن غذاهم التي ينظمها سنويًّا الصديق الشاعر التونسي عبدالكريم الخالقي في مدينة جدليان. استمعتُ إليها بعمق فوجدتني أمام شاعرة واثقة من نفسها، لها حضور أدبي جميل وسط أقرانها من الشعراء والشاعرات في تونس. وتوثقت علاقتي بها، وصارت صديقة أحرص على لقائها كلما سافرت إلى تونس الخضراء. ثم قربتْ وسائل التواصل الاجتماعي بيننا أكثر، وأخذتُ أتابع أعمالها وكتاباتها وأعجب بثرائها وتطلعاتها الأدبية المتنوعة.
ولئن كانت الكثيرات من الأديبات يتألقن ويتوهجن لفترة ويطبعن بعض أعمالهن، ثم يتوارين لأسباب مختلفة، فإن فاطمة بن محمود لم تكن من هؤلاء، حيث واصلت تألقها وشمخت بإبداعها المتواصل وولجت في سرديات متنوعة فكتبت القصيرة جدا، وكتب الرواية إلى جانب الشعر، واختارها المجمع التونسي للآداب والعلوم والفنون (بيت الحكمة) لتكون من أبرز الشخصيات التونسية والأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين.
وليس هذا غريبًا على أديبة بحجم فاطمة بن محمود التي جمعت بين فنون أدبية متنوعة، كما مارست النقد الأدبي، والمقال والدراسة، وذهبت في عالم الكلمة والفن كل مذهب. وكنتُ أعجبُ كيف تستطيع كاتبة ما أن تحقق كل هذه المشاركات المتنوعة وأن تظل بهذا التوهج والتألق، بل تزداد توهجًا وتألقًا يوما بعد يوم.
ويبدو أنه حب الكلمة، أيًّا كان نوعها، هو الذي يقود فاطمة بن محمود لكل هذه الإنجازات التي حققتها وتحققها وسوف تحققها في المستقبل القريب إنها تكبر بالكتابة وتكبر فيها على حد تعبير مي زيادة. لذا نراها تشارك في الكثير من الفعاليات ليس على مستوى وطنها الأخضر فحسب، ولكن في فعاليات كثيرة داخل الوطن العربي وخارجه.
ومن يطّلع على سيرتها الأدبية وتحركاتها الوثابة ومشاركاتها الضخمة الفعالة، يدرك مدى ثراء تلك الشخصية الأدبية المفعمة بالحب والعطاء.
ولا أريد أن أعدِّد هنا إنجازاتها، فمسيرتها العامرة كفيلة بذلك، ولكن أود الاقتراب من فاطمة الإنسانة، التي استقبلتني – أنا وزوجتي - في آخر زيارة لي لتونس العاصمة، قبل انتشار فيروس كورونا اللعين فحجب عنا السفر والتجوال والمشاركات الأدبية الخارجية، واقتطعتْ من وقتها الثمين، يومًا بأكمله لتكون في صحبتنا في تونس العتيقة وفي سيدي بوسعيد، وكانت الفرحة والبِشر يعلوان وجهها كلما تحدثت مع زوجتي – التي تزور تونس لأول مرة – لتشرح لها شيئا عن تونس وتاريخها العريق، أو نقف أمام معلم من معالم تونس السياحية الجميلة. وتزامن وقت زيارتنا لتونس مع يوم المرأة التونسية، وكانت الميادين تكتظ بالنساء التونسيات، وخاصة في شارع الحبيب بورقيبة وعند تمثال ابن خلدون. فأصبحنا مع فاطمة بن محمود جزءًا من الحدث. وأخذت على عاتقها تصويرنا ونحن في قلب الميدان، أو فوق مستوى البحر في سيدي بوسعيد.
ولا زلنا نتذكر تلك الأيام الجميلة التونسية بصحبة فاطمة بن محمود التي تستحق الكثير من الألقاب الأدبية والإنسانية.
التعليقات