ألقاب عديدة ارتبطت باسم الفنان الكبير، حسن حسنى، فهو تارة (الجوكر) حيث تتعدد الأدوار التى تسند إليه، وقماشته الإبداعية قادرة على إقناعنا بها، كما أنه بزاوية أخرى (المشخصاتى) الذى يذوب تمامًا فى مفردات الشخصية، من الممكن أن يصبح (الأسطى) المرجعية التى يلجأون إليها عندما يستعصى عليهم اكتشاف مفتاح الدور، أم لعله بعد سنوات الخبرة والعطاء أصبح (شيخ حارة التمثيل)، كل الصفات السابقة استحقها وعن جدارة حسن حسنى، الذى مرت قبل يومين ذكراه. ونحن على منصة التكريم فى (مهرجان القاهرة السينمائى الدولى) أثناء الندوة التى أقمتها عنه قلت إنه (فنان مربع) لأنه أبدع فى المجالات الأربعة سينما مسرح تليفزيون إذاعة، فقال لى مداعبًا (أول مرة أعرف أنى مربع)، أضفت ضاحكا والآن صرت (خماسى الأبعاد)، بعد أن دخلت المنصات طرفًا أساسيًا كنافذة للعرض.
آخر لقاء جماهيرى عاشه حسن حسنى عندما صعد على خشبة المسرح أثناء تكريمه بالمهرجان، وجدت كل الحاضرين فى دار الأوبرا يقفون أكثر من خمس دقائق وقلوبهم تصفق قبل أياديهم، اللقاء الجماهيرى الثانى جاء بالمسرح المكشوف لندوة كان مقدرًا لها ساعة امتدت ساعتين أحالها حسن حسنى إلى حالة من الضحك والبهجة، ذاكرته دائمًا حاضرة بالكلمة الموحية والقفشة الحراقة والنكتة اللاذعة، التى تدرك بالضبط أين تبدأ وأين تنتهى ولا تتجاوز أبدا حدود اللياقة.
عندما اتصلت بالأستاذ حسن حسنى عام 2018 لإبلاغه أنه بالإجماع قد وقع اختيار اللجنة الاستشارية العليا للمهرجان على تكريمه هذه الدورة، تمهل بعض الوقت قبل أن يجيبنى فرحًا: (أنا أساسًا لا أتلقى دعوات لحضور المهرجان، فقررتم منحى أهم جائزة، شكرًا للجميع على هذا التكريم الذى أنعش وجدانى وعقلى وروحى). ذهبت لمنزله فى مدينة 6 أكتوبر لإجراء حوار نتذكر معًا بعض لمحات من المشوار، وهيأت نفسى لكى أنعش ذاكرته ببعض المواقف التى عايشتها، وكنت شاهدًا عليها، فاكتشفت أن ذاكرة الأستاذ لم تغادرها حتى أدق التفاصيل.
وكما فاجأت الأستاذ حسن بالتكريم، فأجانى هو بتلك اللمحة، وجدت فى غرفة مكتبه مقالًا قديمًا لى عمره وقتها أكثر من عشر سنوات، أحاطه ببرواز ذهبى، مفاجأة غير متوقعة، فلم أتخيل وأنا أكتب المقال أنه يستحق كل تلك الحفاوة، يضع مقالى فى صدارة غرفة الاستقبال، فنان كبير تصدر بغزارته الرقمية وقدراته الإبداعية المشهد الفنى، صار واحدًا بين عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، قدموا كل هذا الكم من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، يتباين مستواها، إلا أن الثابت نقطة ارتكاز عميقة اسمها حسن حسنى، يشكل دائمًا عامل جذب وثقة، مهما كان مستوى العمل الفنى الذى يشارك فيه، وكأنه البنية التحتية للشريط الفنى.
من الممكن أن تجده ينتقل بين أكثر من شخصية فى نفس الوقت، لكنه أبدًا لا يكرر الأداء، ولهذا كان يصطحب معه أحيانًا من خلال مساعده (دولابًا) متحركًا يسير على عجلات، يضع فيه ربما ملابس خمس شخصيات مختلفة، ورغم ذلك كان عليه أن يعايش كل شخصية وأن يمسك تفاصيلها الخاصة، وألا تترك واحدة بصماتها على الأخرى، وتلك قدرة استثنائية أنعم بها الله على حسن حسنى، أن يتحرر من شخصية وجدانيًا لينتقل بسلاسة لأخرى ثم الثالثة والرابعة، تلك هى المرونة الإبداعية، تتجلى فى أروع صورها. الناس عادة تقطع تذكرة دخول السينما عندما تقرأ اسم البطل، إلا أنهم فى نفس الوقت لا يطمئنون تمامًا أنهم أصابوا الهدف، إلا بعد أن يجدوا اسمه وصورته على الأفيش، عندها تصبح الرحلة إلى السينما ممتعة، والتذكرة تستحق الثمن.
لا يذهب للشخصية الدرامية بمفاتيحه التى سبق وأن اختبرها، وتأكد من مفعولها، ولكنه يُطلق للشخصية الدرامية العنان لتفرض مفاتيحها عليه، وهذا هو معنى الإبداع الحقيقى فى فن (التشخيص)، أنه حقًا (شيخ الحارة)!!.
التعليقات