غريب هو ما يسمى بعالم الأرواح. وسبحان من جعل من اقترب منها ائتلف وما تنافر منها اختلف. وكأن لها قلوبًا تشعر وعقول تختار ، تتلاقى في ملكوت غير محسوس غير مرئي . مجهول ولكنه مدهش . ولعل أول سؤال يراود النفوس البشرية ويطرق العقول لما يتركه من حيرة اللا معقول... هل الجسد والروح يمثلان شيئا واحدًا أم أنهما شيئان مختلفان يكونان شخصًا واحدًا؟.
إن المسافة بين السماوات والأرض.
أو المسافة بين بدء الخليقة ونهايتها.
أو المسافة بين ما تشرق عليه الشمس وما تغرب.
هو المسافة الحقيقية بين الجسد والروح ، أنه الفرق بين العالم المادي وعالم البصيرة والحواس الغير مرئية.
فما الجسد إلا وعاء أو حاضنة تحتوي الأرواح . فكيف السبيل للمقارنة بين عالمين مختلفين في كل ما هو نسبي عقلي وكل ما هو غير محسوس وخيالي . قد يكونان متكاملين متناغمين بغض النظر عن أن لكل منهما لغة وحياة . وقد يكونان متنافرين حين يحبس الجسد الروح فيمنعها من الانطلاق في عالمها أو لا يستطيع فهم مكنوناتها فيمنع إقلاعها اللا منتهاه في ملكوتها الخارق.
فالروح هي جوهر الإنسان والجزء الحقيقي منه ، فهي الشخصية والهوية والإرادة الحرة ، والذي يظهره الجسد في إيمائه أو نظره أو حركه . والرائع في الأمر أن أرواحنا مستقلة تماما عن كل ما هو مادي فلا تقع تحت طائلة زمان أو مكان ، فالجسد قد يشيخ أو يخضع للتعفن أو يصبح ضعيف هش مع مرور الأيام . بعكس الروح التي لا يطالها أي مما يطاله العمر على الأجساد فلا تهرم ولا يصيبها الكبر . فهي صبية أبديه قوية شابه حيه لا يعوقها عائق أو يمنعها مانع . تطير بنا وتحلق لأبعد مدى وانئى مكان. نشيخ نحن وأرواحنا صغار . نعيش بها أجمل لحظات نتوه معها في أعالي السحاب وبين الجزر الخضراء وعلي ضفاف العقول الملهمة ، لنعيش الوجود إلى ما بعد الجسد المادي حتى فيما بعد الموت .
ففكره أن الروح مستقلة عن الجسد تعتبر حقيقة تدعونا للنظر للتجارب الحياتية بمنظور مختلف كمْ قابلنا أرواحًا تتحرك في أجساد لدقائق أو لثوان لتؤثر علينا لأيامٍ وليالٍ ، وقد تطول لسنوات من جمالها وروعتها , هؤلاء من أطلقنا عليهم أصحاب الروح الحلوة . وكمْ من أرواح تمنينا أن لا نلقاها تارة أخرى في الدنيا ولا حتى في الحياة الأثيرية . وكما تتناغم الأرواح مع الجسد لتُكَوِنُنَا ، فإنها تتوافق أيضا مع من يشبهها من مثيلاتيها عند التلاق .
لذلك نجد أنه من أصعب أنواع التعلق هو التعلق بالروح متناسين الشكل واللون فلا تَعَوُّد هنا ولا ملل . فلا جسد يسافر ولا يعود أو يموت ولا يرجع . هي الروح ذاتها أينما ذهبت واحدة متفردة ببصمة واحدة ، روح تشرق عليك فتجعلك تنير الدنيا ، تنقل العالم من على كتفك لتريح قلبك دون أن تشعر . لأنه فيما تأكد أن انسجام الأرواح الباطنة في وحده متناسقة متناغمة هو السبيل الأمثل للسعادة الأبدية .
فلنغمس أرواحنا في ثقافات الدنيا كلها ولنتأمل فيما أبدع حولنا من اعجازات، فالأولوية في التركيز هو على بناء الروح لتشع نورًا وحبًا وجمالًا وثقافةً ، تملأ الدنيا بالإبداع والسمو لتفعل المستحيل لتعلوا وتعلوا . ولنحافظ على أجسادنا لتسمح لأرواحنا بالحياة منطلقه فتؤثر عليها بالإيجاب . فالعقل والفكر والأبصار هي الأرواح , وما الأجساد إلا مرايا لدواخلنا من أرواح تتنفس حرية . لنصل في النهاية أن التوازن بين الروح والجسد يذهب بنا للرضا والسلام النفسي.
التعليقات