يعتبر قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذى يدين أعمال الكراهية الدينية، إثر حادثة حرق المصحف الشريف فى عيد الأضحى بالسويد، خطوة نوعية نحو تعزيز الجهود الجماعية، لحماية المقدسات الدينية ورفض تدنيس نسخ من الكتب المقدسة، غير ان ذلك لا يكفى خاصة أن عملية التصويت على القرار والتعاطى الغربى بشكل عام مع هذه القضية التى تمس عقيدة نحو مليارى مسلم، تكتنفها ملاحظات ومفارقات عديدة من أبرزها:
أولا: ثمة مفارقة مفرطة فى سخريتها وربما مخزية للضمير الإنسانى، حينما وجدنا دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لديها تاريخ عريق فى احترام الدين وحرية الإيمان، رفضت المصادقة على هذا القرار، بينما نجد دولا أخرى لديها تاريخ فى معاداة الدين مثل روسيا - خلال الحقبة الشيوعية- تفعل عكس ذلك حيث كانت صورة الرئيس الروسى بوتين وهو يحتضن المصحف ويدين حرقه، بالغة الدلالة خاصة حينما أكد خلال زيارته مسجد الجمعة بمدينة دربند: أن عدم احترام القرآن فى روسيا جريمة خلافا لبعض الدول الأخرى!
وفى المقابل نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم يتجاوز موقفها إصدار عبارات جوفاء، من عينة أن هذا الأمر «تصرف مخيب للآمال»، على الرغم من مطالبة الكثير من الأمريكيين المسلمين الرئيس بايدن، بإدانة هذه الجريمة بشكل صريح، كما يتناقض تصويت الولايات المتحدة ضد القرار مع دستورها الذى نص على الحق فى حرية العبادة.
ثانيا: الخلط بين المطلق والنسبى، فالأديان وكتبها المقدسة مطلقات لدى أتباعها، لذا فإن المساس بها أمر كفيل بالإخلال بالسلم العالمى، فى حين يمكن الاختلاف حول القضايا الفكرية والأفعال البشرية، بحيث تتراوح الآراء بين التأييد والرفض، لأنها منزوعة التقديس، وتقع فى إطار قضايا الرأى، ومقارعة الحجة بالحجة. ومن ثم فإن حرق المصحف لا يمكن أن يصنف ضمن حرية التعبير لأنه يضر بحق وحرية الآخرين فى الاعتقاد ويشجع على الكراهية والعنف، فهناك فرق كبير بين حرية التعبير، والإساءة لمعتقدات الآخرين وإشعال الفتن.
ثالثا: إن جريمة حرق المصحف تتنافى مع مواثيق حقوق الإنسان خاصة المادة 18 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان التى تكفل حماية الأديان وعدم انتهاك حرمتها. كما يتنافى مع وثيقة الأخوة الإنسانية، التى وقعها شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة الكاثوليكية، فى 4 فبراير 2019، بأبوظبي.
رابعا: تبلغ المفارقة حدا مأسويا حينما تكشف ازدواجية المعايير فى ممارسة ما يسمى بـ (حرية التعبير) ففى الوقت الذى تسمح فيه السويد وغيرها من الدول الغربية بحرق المصحف باعتباره (حرية تعبير) فإنها لا تسمح بحرق علم المثليين ..هذه الازدواجية عبر عنها الكاتب السويدى إيفيد لارسون بمقال نشره بالمركز السويدى للمعلومات (SCI) قائلا : فى السويد يمكن حرق الكتب المقدسة للإسلام والمسيحية. ولكن (القوانين فى السويد ستعتبر أن حرق علم المثلية هو بمثابة جريمة كراهية، ولا يمكن منح تصريح تظاهرة لفعل ذلك) ويعرض الكاتب مثلا آخر لهذه الازدواجية عندما يتعلق الأمر بما يمس اليهود وإسرائيل قائلا (هناك ثغرات قانونية قد تجعل حرق التوراة وعلم إسرائيل فى تظاهرات مصرح لها، بمثابة معاداة للسامية! وهى جريمة فى القانون السويدى)!
وفى الوقت الذى تعتبر فيه تلك الدول أن حرق المصحف والرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من قبيل (حرية التعبير)، فإن تعبير أى شخص عن تعاطفه مع القضية الفلسطينية أو أى من فصائل مقاومة الاحتلال الإسرائيلى كحماس او الجهاد، لا تعتبره حرية تعبير وإنما جريمة تستحق العقوبة تحت مسمى (معاداة السامية)!!
إن تكرار الإساءة للمسلمين ومعتقداتهم ونبيهم وملابسهم بعد ان وصل التمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين إلى أبعاد وبائية، بحسب وصف تقرير صدر مؤخرًا عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بحرية الدين، يعنى أنه يتم استغلال شماعة حرية التعبير من أجل نزع صفة الإنسانية عن المسلمين، وإلحاق الأذى بهم. ومن ثم فإن الإدانة الدولية لم تمنع تكرار هذا الأذى، لذا فإن المطلوب هو استخدام كل السبل لحث الدول على إصدار تشريعات تجرم العدوان على الأديان السماوية ومقدساتها خاصة الإسلام والمسلمين، بما يسهم فى تعزيز التسامح والتفاهم المتبادل بين الثقافات والأديان المختلفة.
التعليقات