استوقفتني الوصايا القرآنية (اصفح الصفح الجميل)، (اهجرهم هجرا جميلا)، (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون). لماذا وصف الله عز وجل الهجر، والصبر والصفح بالجميل؟! لماذا اشتركت الأفعال كلها في ضرورة التحلي بالجمال؟ لماذا لم يتنوع الوصف بين الجمال وغيره من المعاني؟ هل للجمال معنى آخر لا نعلمه؟ تتفق كتب التفسير والمعاجم العربية على أن الجمال من الحسن فكيف أهجر شيئا بحسن بعد أن دفعني قبحه لتركه وتجنبه؟!
عندما يستنزف الإنسان كل ما لديه من وسائل للتعايش مع غيره ويتجنب الأذى مرارا وتكرارا ويحاول مرة بعد مرة أن يرأب الصدع ويمد جسور الود ويفشل؛ لا يكون أمامه إلا الهجر واالنجاة بنفسه والابتعاد عن مرمى السهام. عندما يقرر شخص أن يهجر زوجا أو صديقا أو مجتمعا أو بلدا فهو قد اتخذ قرارا صعبا حاسما. النصيحة الإلهية لا تمنع من الفعل لكنها تحث على أن يكون جميلا. اهجر ولكن دون أذى. لا تبادل الأذى الذي تعرضت له بحملة تشويه مضادة. لا تشن حربا بالقول أو الفعل. لا تذكر أحدا بسوء ولا تنكل بمن كان السبب في الضرر الذي لحق بك. انصرف في سلام. اعتزل ما يؤذيك وفقط. عش حياتك بمنأى عن السوء ولا تشغل بالك بالانتقام. (اهجرهم هجرا جميلا).
أما ما يحدث بين البشر من شد وجذب وتضارب في المصالح وردود الأفعال ويثير الحفيظة ويستجلب الغضب يلزمه صفح وتجاوز لتستمر الحياة. هب أن هناك من أغضبك وحدثت بينكما مشادات ومواقف وتمسك كل برأيه وبات العناد سيد الموقف والمسيطر عليه. لابد من كسر الحاجز وتجاوز الغضب. ربما يراجع الطرف الآخر نفسه ويدرك خطأه ويعتذر عما بدر منه. إن قبلت فهنا عليك الصفح لكن يجب أن يكون جميلا. اصفح وسامح بلا عتاب ولا سخرية ولا أذى بالقول والفعل. اقلب الصفحة وكأن شيئا لم يكن طالما قررت أن تستمر في العلاقة الإنسانية. العتاب يفتح باب تعكير المزاج مرة أخرى واللوم يجرح النفس بعد أن قررت الاعتراف والاعتذار. كم من ملامة أحيت نار المشاكل من جديد. (اصفح الصفح الجميل).
أما الصبر فله مكانة خاصة فهناك صبر على أذى البشر وهناك صبر على مكاره الحياة. عندما يستحيل الصبر على أذى البشر يكون الهجر هو أسلم وسيلة. أما الصبر على ابتلاءات الحياة من موت عزيز، أو نقص مال، أو اعتلال في الصحة فرغم صعوبته فيجب أن يكون جميلا. اصبر ولا تشكو حالك إلا لله. اصبر ولا تتذمر. تحمل بقلب راضِ ونفس مطمئنة بأنه الخير حتى وإن كنت تجهل الحكمة من ورائه. سلم أمرك لله واستأنف حياتك بأفضل ما يكون. الشكوى والغضب والتذمر ورفض الواقع والابتلاء ومصاعب الحياة ليس صبرا ولا تسليما. اصبر على كيد الحسود ومكائد الأشرار إن استطعت. تصرف بحكمة و فوض أمرك لله وعش في سلام نفسي و(صبر جميل). كن جميلا ترى الوجود جميلا!
التعليقات