بدأ الأمر بالشِّعر، لكنه انتهى بما يشبه رواية ذات حبكة بوليسية!
بعيدا عن الألغاز، وصلتني دعوة للمشاركة في مهرجان شعري، قبل عامين، وهو أمر طبيعي، لأي شاعر، لكن اسم البلد المنظم أثار شكوكي، وبحثت بحس الصحافي عن هذا البلد، لأكتشف أن شخصا يتجول في أوروبا بشكل حر، وتلتقط له الصور في برلمانتها، ويلقب نفسه بالملك، واسمه أمير، قد أنشأ دولة جعل حدودها بين مصر والسودان، وهي ليست بمساحة بيت أو خيمة، ولكنها بمساحة تماثل خمسة أضعاف ونصف لمساحة قطاع غزة في فلسطين!
يا إلهي!
اعتذرت لصديقتي الشاعرة الأوربية، ذات الجنسيتين، ورفضت حتى الحضور كمراقب أو مشاهد، في المهرجان الشعري، وبدأت رحلة البحث عن بلد مجهول، نشأ على خريطة لم تعرف له وجودا.
حين تبحث عن معلومات متاحة، سترى كيف تتماس حدود تلك الدولة مع مثلث حلايب المصري، وهناك روايتان مصرية وسودانية حول ترسيم الحدود...
فالمنطقة تمثل شبه منحرف ضلعه الطويل حدُّها الشمالي الذي يتماس مع خط عرض 22° شمالا بطول 95 كم، وضلعها الجنوبي طوله 46 كم، ويتراوح الطول من الشمال إلى الجنوب ما بين 31 كم و 26 كم ومساحتها 2060 كم2؛ وهي المنطقة الوحيدة التي يمرّ فيها الخط الإداري لعام 1902 جنوب الحدود السياسية لسنة 1899، المتماسّة مع خط عرض 22° شمالا. وقد وُضعت تحت الإدارة المصرية لأنها كانت في ذلك الوقت مرعى لجماعة من العبابدة يتمركزون قرب مدينة أسوان، بينما يقع المثلث نفسه شمال خط عرض 22° شمالا وقد وضع تحت الإدارة السودانية حينها لأن سكان تلك المنطقة في ذلك الوقت كانوا امتداداً لجماعات يتمركز أغلبها في السودان.

تبلغ مساحة بئر طويل عُشرَ مساحة مثلث حلايب والمنطقتان تتماسان في نقطة واحدة. ولذلك لم تطالب به الدولتان، بسبب التناقض بين الحدود السياسية المستقيمة التي أنشئت عام 1899، والحدود الإدارية غير النظامية التي أنشئت عام 1902. تؤكد مصر على الحدود السياسية، ويؤكد السودان على الحدود الإدارية، ونتيجة لذلك أصبح المثلث لا تطالب به كلتاهما، وفي عام 2014، وصف المؤلف أليستر بونيت (بير طويل) بأنها المكان الوحيد على وجه الأرض الصالح للسكن ولكن لم تطالب به أي حكومة معترف بها.
هنا ظهرت ألمعية شخص اسمه د. أمير حياوي، ربما قرأ عن تلك الجغرافيا، أو أن هناك من أرسله، ليبدأ بتأسيس (دولته) على هذه الأرض، ولتولد دولة من الفراغ، تسعى للحصول على الاعتراف الدولي لها، وها هو يشرع بتسمية السفراء والممثلين، وتعيين وزرائه، حتى أن شاعرة وأكاديمية فلبينية شهيرة أصبحت رئيسة وزراء المملكة الأفريقية، ولقبت نفسها بالملكة، رغم أن د. أمير أعزب، فلم تظهر له أسرة ملكية حتى اليوم!
بعد مهرجان الشعر (الدولي) لدولة بيرلاند، في 2021، صدرت أنطولوجيا،بعنوان (قصائد من أجل بيرلاند) تتصدرها قصيدة رئيسة الوزراء، ومعها (في 176 صفحة) أكثر من 30 شاعرا وشاعرة، من الصين، وبنجلاديش، والنيبال، حتى اليونان وألمانيا، وأمريكا اللاتينية، يدونون قصائدهم لدولتهم المحبوبة ومليكها الحبيب، الذي تتوزع صوره، وصور شعبه، يحملون أعلام مملكته فوق معالمها الصحراوية المشمسة.
وبما أن دولة بير طويل داخلية، فقد سعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية لتيسير وصولها إلى موانيء ومطارات دولية. وقدم الملك تحياته ورسائله في كل مناسبة دولية، مثله كأي زعيم، يهنيء بأعياد الاستقلال، ويواسي في المحن الرسمية، ويخاطب الجهات برسائل تحمل علامات وشعارات دولية، كالأمم المتحدة، التي يدعي أنه قدم إليها أوراق اعتماد دولته، وبانتظار اعتراف العالم بها!

تستثمر منظمة ECO-6 ما قيمته 250 مليار دولار أمريكي من LUMI في ولاية بيرلاند، "أرض بير طويل" في أفريقيا.
أعلن كبار المسؤولين الحكوميين من كل من ECO-6 ودولة بيرلاند اليوم أنه تم إبرام اتفاقية تاريخية بين ECO-6 وحكومة بيرلاند (بير طويل) تنص على أن تصبح ولاية بيرلاند عضوًا رسميًا في ECO-6 وأنها وستشهد استثمارًا بقيمة 250 مليار دولار أمريكي من البنك المركزي للمغتربين الأفارقة (ADCB) لتطوير البنية التحتية في ولاية بيرلاند.

بئر طويل أو "المنطقة المحرمة" التي لا تطالب بها مصر ولا السودان دستوريًا ، وليست تحت سلطتهما أو أي سلطة داخل أي خريطة سياسية لأي بلد. يصفها (صاحب الجلالة الملك) الأمير أ. حياوي، بأنها "دولة إنسانية للنازحين الأفارقة"، وأن حكومة دولة بيرلاند تعمل بنشاط بالتعاون الوثيق مع ملوك وملكات أفريقيا الأصليين، وملوك الأمم في أفريقيا وآسيا مثل إندونيسيا، بالإضافة إلى الحكومات المجاورة والمؤسسات الدولية، لإنشاء إطار اقتصادي شفاف وأجندة غير حزبية من شأنها أن تدفع بيرلاند إلى مركز التميز للتنمية الاقتصادية والتصنيع في أفريقيا.
ويصف رئيس منظمة ECO-6، ريكس سيماكو الأول والسادس تيموثي إليشا ماكفرسون، رؤية ولاية بيرلاند بأنها تتماشى مع المهام الاقتصادية المختلفة لمنظمة ECO-6. فيقول: "إن الأفارقة في الشتات هم الأفارقة الأكثر تشرداً في العالم. سنعمل مع حكومة بيرلاند والدول المجاورة لتحويل دولة بيرلاند في أرض بير طويل إلى موطن لأولئك المنحدرين من أصل أفريقي الذين تم بيعهم كعبيد وتم جلبهم إلى أوروبا والأمريكتين منذ أكثر من 400 عام".

سيتم استثمار 250 مليار دولار أمريكي لبناء مدينة مستدامة للمغتربين ستصبح مركزًا عالميًا أفريقيًا لنقل المعرفة والتميز في البحث والتطوير التكنولوجي، والهندسة والتصنيع، والإنتاج والتصنيع، وحلول الطاقة المتجددة، والهندسة المالية والمصرفية، ولجعل هذا الاستثمار مفتوحا بالتعاون الجيد مع دول الجوار ومع الدول الصديقة الأخرى.

أين قرأت مثل هذا الكلام - الذي يشبه وعدا - قبل مائة عام؟
يقول رئيس ECO-6: "إنها لحظة تاريخية للغاية بالنسبة للمغتربين الأفارقة وللعائلة الأفريقية بأكملها. هذه الأراضي هي الأراضي القديمة لأجدادنا من المملكة الكوشية. ومن خلال تحويلها إلى مركز اقتصادي سيبدأ بشكل نهائي التصنيع في أفريقيا، فإننا نفتتح حقبة جديدة من التنمية الاقتصادية والتعاون بين أفريقيا والعالم الذي سيجلب أيضًا الشرف لهذه الأراضي القديمة.

وقد شاركت في قرار إنشاء هذا التعاون بين بيرلاند ومنظمة ECO-6 منظمات مختلفة بما في ذلك المملكة المتحدة الأفريقية والمملكة المتحدة العالمية! وجرت العادة أن تتم القضايا التاريخية المتعلقة باستيطان الأراضي في أفريقيا على مستوى الممالك وزعماء القبائل، الذين يعتبرون الحراس الأصليين للأراضي الأفريقية.

لن تجد على الشبكة العنكبوتية صور أمير الدهاء الأفريقي، وحسب، بل سترى أعلام (مملكته)، ورسائلها مع الوفود والدول، بل وحتى طوابعها البريدية!
على مواقع التواصل الاجتماعي، رسالة من (الملك) إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج– مثلا – طلبا للاعتراف الرسمي، ولقطات له في برلمانات العالم، مثل ألمانيا، وإحداها مع العلم المغربي، وعلم (مملكته)، ومع شخصيات سياسية، مثل مستشار الرئيس التركي، وكذلك صور لرئيسة وزرائه، إحداها مع قوات بحرية، لمنطقة لا تملك نهرا، ولا بحيرة، ولا بحرا، ورسالة إليها تضمن دعوة أوكرانية لحضور مؤتمر أوربي، باعتبارها ممثلة لبيرلاند!

ماذا لو أسست هذه (الدولة) علاقات مع جهات ليست حريصة على أمن سكان الجارتين وسلامتهم؟ ماذا لو استيقظنا فوجدناها قواعد لانطلاق هجمات معادية، وماذا لو تسلل إليها، مع الأبناء الطيبين القادمين من الشتات، أشرار آتون من كل الجهات؟
أسئلة سيختبرها الزمن.

التعليقات