أعتقد أن الوعي عند البشر للمواقف هو بنفس فكرة عدسات الكاميرات. فتلتقط العدسات الصور كما نلتقط نحن المواقف، وتشبهنا أيضا في كيفية عملها وآلياتها. فمنها ما هو ضيق الرؤية، ومنها ما هو واسع، ومنها المتحرك المرن والثابت. ومنها ما يهتم بعموم الصورة، ومنها لا يهتم بالخلفية فيجعلها ضبابية غير واضحة لغرض إظهار جزء ما من الصورة. وبعضها يهتم بالتفاصيل الدقيقة لكافة الزوايا. وتعتمد تقنيات عملها في الغالب على كمية الإضاءة الواقعة عليها وكمية الإضاءة المسموح لها بالعبور من خلالها، والتي تتمثل في كمية المعلومات والتفاصيل التي نستمدها من المواقف، أو الكمية المسموح لنا أن نعرفها، أو نظرتنا العامة بخلفياتنا المختلفة لما نراه من العالم.
كما نحن البشر، منا من لا يرى إلا من أحدى الزوايا الضيقة، ومنا من يصدر الأحكام التي في الغالب تكون حسب رؤيتنا للموقف وما ترجمته لنا معلوماتنا التي قد تحتمل الصواب والخطأ. ومنا من يرى من العدسة البعيدة، فإن لم يجد منها مراده استغل الفرص والتكنولوجيا واقتنص اللحظة المناسبة لينقض بعدسته عليها. وقد يقترب ثم يقترب ثم يقترب إلى أقرب نقطة ممكنة بغض النظر عن حق النظرة أو حق الصورة أو حق المعرفة أو حق القرب من الأساس.
ومنها من هو صاحب النظرة البانورامية العظمى، الذي يلتقط الصورة برؤية عريضة تحتوي المشهد الأمامي كاملاً، ولكنها تفتقر لخلفيات ما أنتج المشهد أو ملابساته أو ما سبق لحظة الالتقاط أو الرؤية. ومنهم صاحب العدسة 360 درجة، والذي يمتلك من الوعي والقدرة على الفهم ما يجعل الصورة متحركة وهي صامتة فيلعب بكل الخيوط بحرفية داخل جميع أركان الصورة كيفما يشاء وقتما يشاء. ليخضع هنا الموقف لمعيار واحد... وهو الأخلاق واختياراته الحرة. هل يلتقط تلك الصور المشينة أم يلتقط الصور التي تمس القلب ليعبر بها عن روعة الكون أو روعة المشاهد أو روعة الإنسان أو يجبر بها خاطرًا أو يطبطب بها على قلب. وهناك العدسات المقعرة أو المحدبة التي تعمل على إظهار الصورة والمواقف معكوسة لتراها في الأخير كما أراد ملتقطها. المواقف والعدسات هما هما نفس الآليات بنفس فكرة العمل.
ولك أنت وحدك حرية اختيار أي من الكاميرات وأي من العدسات ستحملها لترى بها العالم. هل ستحمل عدسات نظيفة وصافية ترى بها جمال الدنيا وتستمتع بها وتمتع بها العالم، أم ستحملها سوداء ضيقة ضبابية تلتقط ما هو دون مستوى النظر... #تخاريف_صباحية"
التعليقات